(وقت القراءة: 1 دقيقة)
"جينز مشوي" ليس اسما لصرعة جديدة في عالم الأزياء، وليس طَبَقاً مستحدثا لدى أمة مستهامة بالطعام بل هو اسم لأحد المطاعم في الكويت ترجم حرفياً عن الإنجليزية Jeans Grill ، وكان الأحرى أن يُترجم الاسم "مشويات جينز" أو "جينز للمشويات" لكن هوس الترجمة الحرفية لم يفتأ يضرب عربيتنا في مقتل يوما بعد يوم.

ولا يزيد عن هذا المثال طرافة وغرابة إلا الكلمة التي لا تفارق ألسنتنا: "مبروك". ومبروك التي تمت صياغتها على وزن مفعول مشتقة من الفعل الثلاثي برك أي ناخ الجمل أو جلس وبالتالي تتحول من دعاء بالبركة إلى دعاء بأن يبرك جمل على المدعو له. والصحيح هو القول مُبارَك المشتقة من الفعل المزيد بالألف بارك. لكن حذار أن تستعمل "مبارك" لتهنئة أحد فيعتقد أنك نسيت اسمه وصرت تناديه مباركا. إذاً، وفر على نفسك الحرج وأدعُ عليه بأن ينسحق تحت جمل خير من أن تسحقكَ أنت نظرات الحنق. وإذا رُمْتَ مزيدا من المضحك المبكي فخذ جولة تسوقيّة وطالع ما كتب على المنتجات لتنقلب على ظهرك ضاحكا. فالحليب في عالمنا العربي "خالي الدسم"، أي أنه يحتوي دسما إلا أن دسمه خالٍ! طبعا المقصود هو أن الحليب منزوع الدسم أو خالٍ من الدسم لكن الشيطان في التفاصيل. والبيرة لدينا تعترف أن خالها (أخ والدتها) مكون من الكحول! اقرأ العبارة المزعجة إياها "خالي من الكحول" والصحيح هو "خالٍِ من الكحول" ولا عزاء لقاعدة الاسم المنقوص. أما النكهات الاصطناعية فصار لها اسم دلع جديد هو النكهات الصناعية! فالكل يفهم أن النكهة مصطنعة لكن أن تكون صناعية فهذا ما لا يفهم. أم أنهم يقصدون أنه تم اصطناعها في مصنع مثلا؟ أتمنى بصدق ألا يأتي مترجم فتح الله عليه فيترجمها إلى الإنكليزية بعبارة Industrial flavours فتصبح فضيحتنا فضيحتان: عدم المساهمة في التراث اللغوي الإنساني الحديث، وتلويثه!

أما إعلانات المنتجات، فحدث ولا وجل، فهوس تأزيم كل ما هو مؤنث قد يشي برسالة غير واعية توجهه للمرأة بأنها ثقيلة! ف"أنتِ" و"لكِ" أصبحت "أنتي" و"لكي". أما الأفعال ففُعلت بها الأفاعيل، فالياء أصبحت لازمة من لوازم تاء الفاعل المؤنثة، فدخلت معاجم الأمر الواقع أفعال مثل "أردتي" و"كتبتي" و"اشتريت" و"ندبتي"! مهلا، فلنحسن النية ولنقل أن أولئك أشفقوا على القوارير من الكسرة التي تستفل التاء فتفتق ذهنهم عن ياء تحل محلها. ولتكتمل الكوميديا السوداء، شنّف أذنيك ومتّع ناظريك - ولكن على مسؤوليتك- بأخطاء تلوكها الفضائيات على مدار الساعة. فيبدو أن إعلاميينا يهوون إعطاء كل حرف حقه ولو لم يكن ينطق، فواو عَمْرو التي تكتب ولا تلفظ وابتدعها العرب للتفريق بين عُمَر وعَمْرو بات لابد من نطقها وفقا لمقتضيات الأمر الواقع الإعلامي. أما باني القيروان عُقبة بن نافع (بضم العين وتسكين القاف) بات اسمه عَقَبَة (بفتح العين والقاف) وفقا لمذيعة الربط التي أعلنت عن موعد عرض المسلسل المعنون باسمه قبل سنوات، فصار الفاتح المغوار عقبة كأداء. والمزيد من العقبات تتقافز يوميا، فرغم أن العرب تلحق الباء بالمستبدل، إلا أن العامية طغت فتساءل أحدهم في مفارقة مخزية مبكية "متى نستبدل العامية بالفصحى؟" ووفقا للقاعدة اللغوية فإن أخانا يدعو إلى أن تحل العامية محل الفصحى!

الأشرطة الإخبارية التي تمددت أسفل شاشات معظم القنوات مرتع لوابل من المخزيات. فأولها عدم التفرقة بين الضاد والظاء، أو بين همزة الوصل وهمزة القطع،أو بين التاء المربوطة والهاء في نهاية الكلمة، ناهيك عن الاسم المنقوص الذي بات يستحق وبجدارة لقب الاسم المظلوم. نشرات الأخبار اكتسبت صفة حميدة وهي تفويض السلطات، ولذلك تصر أن بث النشرة مباشِر (بكسر الشين) وليس مباشَرا (بفتح الشين) لكن المشكلة أن البث لا يمكنه أن يباشر نفسه بنفسه فيستحق أنه يصاغ على قاعدة اسم الفاعل لا اسم المفعول. أما الهواية الفضلى للنشرات فهي التهوين من شأن الارتزاق بقولها "مرتزَقا" بفتح السين عوضا عن كسرها فيصر المرتزق اسم مفعول لا حول له ولا قوة في عملية الارتزاق فيخرج كالشعرة من العجين. أما الفتاوى والدعاوى فكلها صارت تنتهي بالياء عوضا عن الألف المقصورة. ألا تشتمون معاداة لها - الألف المقصورة- في الموضوع؟ بل هي "هولوكوست" لغوية.

التطبب حق لكل مواطن فمن يطبب لساننا؟ متى يشمل التأمين الصحي ألسنتنا، ومتى نرى وزارة أو إدارة للصحة اللغوية تعلم أن اللغة كائن حي يتألم شأنه شأننا. قبيل عيد الأضحى الفائت رأيت إعلانا كتب عليه "أضاحي للبيع"، بل أضاح ٍ للبيع، وضحايا لا تحتاج إلى إيضاح أو تبيين.

ولمن يريد المزيد موثقا بالصورة والكلمة، يمكني الحصول على نسخة من كتابي "من ذا الذي قدَّد البيان: أخطاء وخطايا لغوية مصوَّرة" عبر طلبه من الرقم 3719072 أو 3727899 في الكويت أو عبر الموقع: www.nashiri.net/bayaan