(وقت القراءة: 1 دقيقة)

ليست قضية جديدة، الدعوة إلى الكتابة بالعاميّة. وقد نتأت الدعوات من أسباب انغلاقية مثل النزعات الوطنية الضيقة (سعيد عقل مثالا) إلى أسباب انفتاحية جدا تحت دعوى الديمقراطية الكتابية، والإتاحة، وتعميم الإبداع على الشريحة العامة.  

بدايةً، علينا أن نعرف أن العامية –أي عاميّة – هي تفرع بل وانحراف عن لغة رئيسة، فعلاقتها باللغة الأم علاقة مُروق، علاقة الفرع بالأصل، وعلاقة الأدنى بالأعلى. وهي رغم ذلك ظاهرة طبيعية وموجودة في كل اللغات تقريبا، لكن بدرجات متفاوتة من حيث الابتعاد أو الاقتراب من اللغة الأصلية.

الأصل في العامية هو الشفاهية، والعامية تستخدم لإنتاج صنوف إبداعية شفهية مثل الشعر الشعبي (نبطي، زجل، ملحون، ... إلخ) وفي الشعر الغنائي، وفي "الحزاوي" أو "الحواديت" (قصص ما قبل النوم للأطفال). فلست هنا أشكك في مقدرتها على إنتاج إبداعي، بل في المدى الذي يمكن أن تصل إليه في ذلك. فهي رغم شيوعها تظل تعاني من الفقر ليس في المفردات بل في وسائل التعبير. ويكفي غياب الإعراب وغياب التشكيل في أواخر الكلمات لنقول أن العامية قاصرة. ففي الآية الكريمة {... أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ...} نجد أنّ التشكيل ضروري وإلا قٌلب المعنى. بينما غياب ذلك في العامية يضطرنا إلى تغيير أماكن الكلمات خوفا من اللبس. وهذا يعني أن العامية تراوح في نطاق ضيق من حيث قدرتها على تحريك الكلمات في الجملة الواحدة. وهذا مجرد مثال واحد على ضيق الحركة التي تعانيه العامية، والتشعب في تفصيل هذا ليس موضوع هذه المقالة.

 

العامية مرآة التراجع

رغم شيوع العامية وسواغها، ترتبط العامية ارتباطا طرديا بمستوى هبوط أي أمة. فسيادة العاميّة وانتشارها كمّا، وتعزيز ثرائها كيفا بتوليد كلمات جديدة، مؤشران على حالة من التراجع الحضاري. وهذا طبيعي، فكلما تراجعت الحالة الثقافية الحضارية لأمّة، لكما مال أفرادها إلى الانغلاق والإغراق في المحلية ومن ذلك التمحور حول اللهجة الخاصة بهم. وبالمثال يتضح المقال. إذ يمكن للمتمعن أن يستنتج أن قصيدة "صوت صفير البلبل" الشهيرة، والتي تنسب زورا للأصمعي لا يمكن أن تكون له، ليس لأنّ الأصمعي لا يناسبه الهزل بهذه الطريقة، بل لأن ثمة كلمات لا تناسب فصاحة الأصمعي ولا فصاحة الخليفة (ثاني خلفاء الدولة العباسية) ولا فصاحة العصر. فبيتٌ مثل:

وَالكُلُّ كَع كَع كَكَعٌ *** خَلفي وَمِن حُوَيلَلي

يبدو نافرا عن السياق اللغوي الرصين في ذاك العصر، في مجالس الخلفاء على الأقل. ولو أنّ الواقعة حقيقية، فغالب الظن أنّ أبا جعفر المنصور كان سيأمر بتعزير القائل على تشويهه وعبثه باللغة، أو استهزائه وتهريجه في حضرة الخليفة، بدلا من أن يُسقط في يديه، ويذعن له.

 

القراءات العشر واللهجات

تاريخيا، لم تتحقق قط تلك القصة الخرافية التي يتوسّمها بعضنا ويتوهمها البعض الآخر؛ أن يتكلم الجميع بلسان عربي واحد بلا لهجات. فاللسان العربي تتعدد لغاته (وهنا علينا أن نبين أن العرب كانت تسمّي اللغة لسانا، واللهجةَ لغةً) منذ قبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام وحتى يومنا هذا. ولهذا هناك قراءات عشر للقرآن الكريم رغم أن معظما لا يعرف إلا واحدة، ولذلك جاء الرسم العثماني بهذه البساطة غفيرة التفاصيل كي يستوعب القراءات العشر التي جاءت لتناسب لغات (لهجات) عدّة.

لكن السؤال، هل المسافة بين اللغات (أي اللهجات) في القراءات العشر وبعضها، بمسافة الفرق بين الفصحى والعاميّات اليوم؟ قطعا لا! لا يغير شيئا لو قال القارئون بلغة قالون "لقوم يومنون" أو قال القارئون بلغة حفص "مؤمنون". ولن يضير أحد شيئا لو قال أحد "والضحى" بالإمالة أو بالقراءة المعتادة التي ألفناها في قراءة حفص.

جاء في الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم كلّم أهل حِمير بقوله: " ليس منَ امبِرِّ امصيامُ في امسفَرِ"، أي ليس من البر الصيام في السفر، وهذه اللهجة أو ما يشابها موجودة في "جازان" اليوم. لكنّ هذه اللهجة لم تأت قراءة عليها لأنها مغرقة في خصوصيتها. كشكشة بني تميم أيضا مغرقة في خصوصيتها، فيقولون "كيف حالش؟" إذا فالتحجج بالقراءات العشر لفتح الباب على مصراعيه للهجات استدلال باطل. ومن هنا نجد أن الإسلام اقرّ اللهجات التي تدور في لسان العرب الفصيح، وابتعد عن اللهجات الغارقة في خصوصيتها. وهذه أول محاولة توحيدية شهدتها اللغة العربية، ولم تكن باعتماد لغة (لهجة) واحدة، بل لهجات رئيسة. إذًا، العامية ليست بهذا السوء، لكن علينا أن نعي عن أي عامية نتكلم. وعاميات اليوم غارقة في خصوصيتها ونرجسيتها، وليست حتما مثل لهجات العرب العشر الرئيسة آنذاك.

 

أثر سقوط القومية العربية

أنا من جيل نشأ في وقت كانت القومية العربية طاغية، ومجرد التفكير أن نجد مَن يكتب بالعامية كان بالنسبة إلينا أمرا مزعجا. وهنا يبرز السؤال ما الذي تغيّر؟ ما الذي جعل بعض الكتاب تراودهم هذه الفكرة؟
1. سقوط القومية العربية وما رافقها من تمجيد استبدادي للغة العربية. وهذا مبرر، إذ كانت اللغة المقوّم الرئيس للقومية العربية.


2. الفضاء الذي أتاحته الإنترنت بعيدا عن النشر التقليدي الذي كان هناك من يتحكم به ويصعب أن تجد العامية منفذا فيه. ولا أتذكر في طفولتي أني قرأت شيئا بالعامية إلا بعض الكلمات هنا وهناك في مجلة سمير أو ميكي. سقوط رئيس التحرير، سقوط المؤسسة، وبروز المجال للشخص أن يكتب ما يريد على الإنترنت أفسح المجال للكتابة بالعامية في المنتديات، ثم المدونات، ثم ونتيجة لذلك الكتب. ونجد مثلا مدوّنة غادة عبد العال "عايزة أتجوز" التي تحولت إلى كتاب شهير ثم إلى مسلسل. هذا ليس أول مثال على كتاب بالعامية أنجبته الإنترنت، لكنه مثال شهير. كما أن إطلاق "ويكيبيديا" لنسخة منها بـ"اللغة" المصرية أمر دال على تأثير هذا الفضاء المفتوح على القضية. لنقارن ذلك بدعوى سعيد عقل لاعتماد العامية، وإصداره لجريدة باللغة اللبنانية. نجد أن تلك المحاولة أثارت ضجة ثم ماتت، لأن الآليات آنذاك لم تكن متوفرة. أما اليوم، فالوضع اختلف. علينا أن نشير إلى أن الدعوة للعامية كثيرا ما تكون مرتبطة بدعوات قومية ضيقة، أو أنها في النهاية ستفضي إليها حتى لو كان أصحابها بُرآء من هذه النزعات.

 

خصوصية المشكلة

لماذا لَم يدر ولا يدور لدى المتحدثين بالإنكليزية مثلا نقاش عن العامية وأثرها كما يدور لدينا؟ هذا لأنّ الهوة بين اللغة الكلاسيكية والعامية ليست بذاك العظم ويمكن تداركها. وهذا غير موجود بالنسبة للعربية، فالهوة بين العاميات واللغة الأم شنيعة، شنيعة جدا! بل يمكنني أن أتطرف وأقول لهجاتنا تكاد تكون لغات لو أتيحت لها الفرصة.

كتب الأديب مارك توين رواية The Adventures of Huckleberry Finn  واستخدم في الحوارات –لا في السرد- عامية السود الأمريكيين آنذاك لإعطاء فكرة عن انعزال هذه الفئة عن المجتمع، إذًا هو استعمال مسبب وله وظيفية فنية مهمة.0في الإنكليزية، نجد العامية موجودة في كلمات أو في تعابير معينة أو في أخطاء قواعدية معينة، لكنها لا تصل إلى درجة الانفصال والبون الموجودة بين الفصحى والعاميّات العربية.

نضيف إلى ذلك أنّ الاختلافات النطقية لا تنعكس في الكتابة في الإنكليزية في غالب الأحوال بعكس لهجاتنا. بينما في بعض اللكنات الأمريكية تتحول التاء إلى دال أحيانا ، لكن لا نجدهم يكتبونها هكذا. فهم –حتى في حوار عامي- لا يكتبون Water على شكل Wader  كما تنطق بالعامية، لا Bottle على شكل boddle ولا Computer على شكل Compuder! بينما في الأدب العامي سيُكتب (شلونج، اليديد، ظروري، جاب الديب من ديله، تلاتة، ع زوأك)!

وكنت قد قرأت مسرحية ألفريد فرج"غراميات عطوة أبو مطوة" وهي مسرحية كتبت بالعامية، والقراءة كانت عسيرة جدا رغم أني أظن أني أفهم اللهجة المصرية بشكل ممتاز، وأظنها أقرب لهجة إلى جميع العرب. السبب في ذلك أن نظام كتابة الكلمات غير موحد. وذات مرة قرأت مقالة بالعامية المصرية ذكر فيها أن "فلان اترفت خلاص" فظننت أن فلان مات ودفن وأن "اترفت" من الرفات. ثم تبين أن الكاتب قصده أن فلان طرد من عمله (اترفض) لكنه كتبها كما ينطقها! غياب القواعد يعني غياب المرجعية في الكتابة، وبالتالي تضيع أصول الكلمات، فلا نعرف كلمة اترفت أصلها اترفض. وهذه مشكلة لا حل لها سوى بأن يكون للعامية قواعد تدرس، ومعاجم. ولكن علينا أن نعي في هذه الحالة أننا في الطريق إلى تحويلها إلى لغة!

 

عقوق الجمهور

مَن يكتب بالعامية يختار أن ينعزل عن جمهور عريض طمعا في جمهور قريب.  وكنت أظن أن وجود الفصحى مثار حسد الكثير من الأمم، لكن يأبى البعض إلا أن يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير!

وبإحصائية سريعة نجد أن سكان العالم العربي يقترب من 400 مليون، في حين أن سكان الخليج 52 مليون. (هذه طبعا الإحصائيات العامة، وليس إحصائيات من يمكنهم قراءة الكتب، ومن يقرؤون الكتب فعليا، لكن يمكن الاسترشاد بها بعمومية) فلماذا يرغب أحدهم عن جمهور عريض ويتجه إلى جمهور محدود نسبته 12-13%؟ قد يكون الزهد والتواضع هو السبب، وقد يكون لأنه لا يتقن اللغة التي يتكلّمها الجمهور العريض، فيتشبث بلهجته القريبة والسهلة والسائغة. أو قد يكون رغبة منه في استقطاب جماهير محلية كبيرة، فالقراءة بالعامية تفضلها الشرائح غير المثقفة، بمعنى آخر الجمهور العريض أو "العوام"، وبالتالي يكون قد حقق جماهيرية كبيرة لكن ضمن نطاق قُطري فقط.

كيف نتوقع من القارئ أن يفهم رواية مغربية ترد فيها كلمة "زلاميط" مثلا والتي تعني أعواد ثقاب وهي كلمة مأخوذة من الفرنسية LES ALLUMTTE؟ وكيف نتوقع من مغربي أن يحزر معنى كلمة "كَبَت" المشتقة من الإنكليزية Cupboard؟ غالبا سيقرؤها كَبْت.  أما كلمة "استكانة" وهي نوع من الأكواب الصغيرة لشرب الشاي في الخليج، فإن القارئ العربي سيظن أنها المصدر من الفعل "استكان"!
وفي اللهجة اللبنانية يسمى البرتقال ليمون، بينما يسمى الليمون حامض! كم من سوء الفهم سينتج - لو أن كاتبا كتب رواية بالعامية اللبنانية يتكلم فيها عن الليمون الذي هو برتقال والقارئ يظنه ليمونا!
البحرينيون يسمون البقالة برّادة، وفي الكويت البرادة هي برادة المياه! قد تكون معلومة معروفة لدى الكثير من أهل الخليج، لكن هل يعلم القارئ الشامي أو المصري أو المغربي ذلك؟

 

اليد العليا

ائتوني بعمل روائي أو قصصي حديث عامي كتابته بالعامية أفضل من الفصحى من حيث اللغة جمالا أو قدرة على التعبير. لا أتكلم عن المصطلحات المحلية ذات العلاقة بالثقافة الخاصة (مثلا: باسجيل، جندل، دقل، ...) أتكلم عن جمالية المفردة وعن قدرتها على توصيل المعنى. لو قلتَ لأحد صف لي نجارا يعمل أو طفلا يسبح، فإن قدرة العربية على وصف المشهد لا تقارن بالعامية من حيث وفرة المفردات المحتملة على الأقل. فالعربية للمواقف العمومية، والعامية لمواقف خاصة ومتواضعة.

 

وأد الخلود

من الصعب أن يُكتب لنص عامي أن يخلد! لأسباب تقنية وحسب. إلا إذا تحولت اللهجة إلى لغة. لماذا؟ لأنه إذا رجعنا إلى أعمال فصيحة عائدة إلى زمان بعيد، سنجد أنفسنا أمام نص فيه الكثير من الغرابة بسبب وجود كلمات غير مألوفة. وعشاق كتب الأحلام يعرفون ذلك. فمرة هناك من حلمت بحذاء، وأخذت تبحث عن تفسيره ولم تجد شيئا عنه في الكتب، لأن كلمة حذاء مثلا تعتبر حديثة نسبيا. لكنها وجدت تفسير حلمها في خف أو نعال! وصرصور أيضا كلمة حديثة، ولن نجد في تفسير ابن سيرين (إذا صحت نسبته إلى ابن سيره) أي شيء عن الصراصير بل واجب البحث عنها في بنات وردان!

الفكرة أنّ الفصحى تتغير على مر الزمان والمعاجم والدراسات تنقذنا، فتتمكن النصوص من الخلود رغم تغير الالفاظ. لكن ماذا ينقذ العامية؟ لو ورد في رواية ما كلمة مثل "طاف" أو "أي شي" بعد خمسين سنة، ستبدو هذه التراكيب غريبة وغير ذات معنى ومن المستحيل أحيانا استنتاج معناها من السياق. وبعد عشرين سنة، لو قرأ قارئ كويتي رواية ورد فيها مثلا عبارة "اشفيكم صيّفتوا" فلن يتبادر لذهنه سوى الصيف، ولن يعلم أن "صيّف" يعني تأخر، ولعل بعض أطفال اليوم يبدو هذا التعبير غريبا عليهم وغير مفهوم. خلود اللغة مرتبط بالعمل المعجمي.

ولهذا السبب أنا شخصيا أتحرّج من العامية حتى في الحوارات. ولا أرى سببا لاستخدامها إلا إذا الحوار العامي في هذه الحالة ستعكس قضية جادة، كأن يرينا أن جماعة ما لها "غيتو" وتستخدم مفردات خاصة. الحوار بشكل عام استراحة للقارئ من السرد الثقيل، وحوار بالعامية استراحة مضاعفة لكن لأهل اللهجة، أما لغيرهم فهو حجر عثرة!

 

البقاء والارتقاء

هناك من يفرط في التفاؤل، ويرى أن من يقرأ اليوم بالعاميّة، سيرتقي به الحال غدا، فيقرأ بالعامية. وهذا ظن ساذج للأسف، فمن يأكل سلطة من مطاعم الوجبات السريعة، لا يُظن به أن يتطور غدا ويتحول إلى الأكل الصحي، بل سيتدهور ويتدرج في تجربة بقية أنواع الطعام السريع الذي يقدمه المطعم الضار. لماذا؟ لأنّ الأمور يُبحث عنها في مظانها، وهذا المكان مظنة من مظان الإضرار بالجسد بالغذاء الفاسد. وكذلك القراءة بالعامية، من اعتاد عليها، استسهل واستساغ دائرة الراحة، واستمرئ البقاء فيها، فهي تورث البلادة اللغوية والفكرية. وأتذكر في مراهقتي أن من يقرأن روايات عبير (التي رغم تفاهة مضمونها، إلا أنها كانت بالفصحى وهذا يُحسب لها) ما كنّ ليقرأن قصص "المغامرون الخمسة" مثلا. وقد "ارتقى" بهن الحال، وصرن يشاهدن المسلسلات المكيسكية، ثم التركية، ويندبن حظهن العاطفي العاثر! لم تتطور أي منهن وتقرأ شيئا أكثر جدية. وكما قال سليمان بن يسار: "لا تعجب ممن هلك كيف هلك، ولكن اعجب ممن نجا كيف نجا".  

 

ختاما

وإن لم نقف وقفة جادة، ستؤول العربية مآلَ اللاتينية. تفرّعت الإسبانية والبرتغالية وغيرها عن اللغة اللاتينية لهجاتٍ ثم استقلت عنها، وصارت اللاتينية لغة مُماتة محنّطة! من أراد أن يكتب بالعامية فليفعلْ، ومن أراد أن يحصر قرأته على المكتوب بها فليفعل، لكن لا يأتينّ أحدكم يوما ليشكو وفاة الفصحى.

وحدوث هذا –أي موت الفصحى- ليس جائحة لغوية أو ثقافية وحسب، بل جائحة دينية. سيعيد التاريخ نفسه، وسيحدث للقرآن الكريم كما حدث للإنجيل في أوربا العصور الوسطى. سيغدو القرآن الكريم ملكية حصرية لمن يفهمون الفصحى، وسنجد أنه أصبح لدينا كهنوت في الإسلام، ووسطاء بين الله والناس. وسيصير القرآن فولكلورا، وتراثا، وأثرا، يعتز به الناس اعتزازا نبيلا ويتشدقون، دون أن يملكوا المكنة على فهمه مباشرة، ناهيكم عن وضعه في حياتهم اليومية.

سُميت فصحى لأنه بها يُفصح ويُعرب ويُوضّح. وسميت العاميّة ... ربما لأن البلوى بها تعمّ، العمى بها يستشري. هلموا نغيّر اسمها إلى العامِية!

 

 

نُشرت في مجلة "البيان" الصادرة عن رابطةالأدباء الكويتيين، العدد 552، يوليو 2016، من صفحة 68 إلى 76.