(وقت القراءة: 1 دقيقة)

(1) هوس التنسيء
لا يستهوني كثيرا الهوس بـ"تنسيء" كل شيء حولنا. فهذا أدب نسوي، وتلك فعالية نسائية، وذلكم إبداع نسواني، وهنالك ابتكار حوّائي، وكأن النساء في حرب مزمنة مع الرجال لا يرجى البُرء منها أبدا، وبناء على ذلك عليهن التكتل والتمترس والتحصن وإنشاء نسخة نسائية من كل شيء. ولا يشترط في هذه النسخة أن تضاهئ النسخة الرجالية جودة، بل يكفيها أنها نسائية، فهذا بحد ذاته إنجاز، بل وربما عند البعض إعجاز!

هذه العقلية المستشرية في العالم العربي سببها عقود طوال من التهميش والظلم للمرأة، لكن لا يُعقل أن تُستورد هذه العقلية حتى حين تُفتح المجالات للمرأة. اليوم، وقد اقتربت الانتخابات نرى هذه العقلية تسود لدى الكثيرات؛ فلا بد لكِ عزيزتي الناخبة من التصويت للنساء وإلا فأنتِ جاهلة جهولة جهِلَة جهّالة  جهيلة مجهالة وأم جهل أيضا، بل والسبب الرئيس في تقهقر وضع المرأة وانتشار الجهل الانتخابي! لكن ماذا إذا لم تقتنع الناخبة بأي من المرشحات في دائرتها؟ أو أنها اقتنعت لكنّها ترى أن فرصة هذه المرشحة ضعيفة وإهدار الصوت عليها سيمكن نواب فاسدين من الوصول، والأجدر بهذا الصوت أن يذهب لإصلاحي فرصته أفضل في الفوز؟


ثم، لماذا تصر المرأة على دخول البرلمان نائبة –وهذا حق مشروع بل وأمل مطلوب لا غبار عليه- وواقع الحال يقول أن الأمر يحتاج إلى فترة ليتحقق على الوجه المأمول؟ فالمجتمعات لا تتغير بجرّة قلم، إنما تتغير بالتحرك وبالحراك. إذن، ما هي الخيارات المتوفرة أمام المرأة لإيصال صوتها وهمومها؟ "ما لا يُدرك كله، لا يُترك كله"، على النساء أن يعرفن بدءًا كيف يكن ناخبات واعيات مؤثرات، وكيف يسطرن مطالبهن على أجندة المرشحين وكيف يحاسبنهم إن قصروا، أي أن يكنّ جماعة ضاغطة. وهذا الأمر لا يتحقق بأن تمنح المرأة صوتها إلا بناء على نقاشاتها وقناعاتها، لا بناء على أي معيار آخر. آمل على بنات جنسي أن يتخذن القرار الانتخابي السليم بناء على القوة والأمانة لا بناء على النسب أو المجاملات.


نعم، هناك مظالم ومغابن تواجه المرأة، لكن لا ولن تحل إذا ظلت المرأة تنظر للحياة بعين واحدة فقط. تشرنق المرأة وتركيزها على قضايا صغيرة يجعلها صيدا ثمينا للمرشحين الذين يجيدون صف العبارات والوعود. نعم، هناك هموم ومطالبات للمرأة متعلقة على سبيل المثال بإعادة النظر في نظام التأمينات الاجتماعية للمرأة غير المتزوجة، ووضع المرأة المتزوجة بغير كويتي، والرعاية السكنية، وغيرها كثير كثير. لكن لا يعقل أن يكون هذا أكبر الهم ومبلغ العلم، فنحن شريكات في بناء المجتمع لا مستنفِعات، لا نسعى وراء القوانين التي تمنحنها المزايا وحسب، بل نقلق على ما يقلق الوطن. لذا، إذا كانت المرأة تحاسب ممثلها في المجلس على قضايا شتى تخص المجتمع، هنا فقط يمكننا أن نقول أنه يمكنها أن تدعى أنها ناخبة مارست حقها. فالانتخاب ليس ورقة تلقى في الصندوق، بل هو الخروج خارج الصندوق لأفق أوسع. "الحضارة لا تحجل" كما يقال أي لا تقفز على رجل واحدة، وامتناع المرأة عن تقديم مساهمتها المجتمعية والحضارية باختيار واع في يوم الاقتراع، واكتفاؤها بالركون والمراوحة والمِراء في قضايا محدودة، مَضرَّة لا تفوقها مضرة إذا أنها بذلك لا تبادر لخير المجتمع وتقدمه، والتقدم لا ينتظر المتأخرين، فقطار النجاح والتنمية العالمي أضحى طائرة "كونكورد"، من لم يلحقها تخلف وتلف.

 



(2) الـ"كووتا"، مرة ثانية!


اليوم أيضا يعود الحديث مرة أخرى حول نظام الـ"كووتا" أو الحصص البرلمانية لإدخال المرأة إلى المجلس. ومع احترامي للمطالبين والمطالبات به، أنا شخصيا -وبغض النظر عن انحيازي الطبيعي لبنات جنسي- أرفضه، ولا أجد له تبريرا لا دستوريا ولا عقليا. فلماذا على المرأة أن تحصل على كل شيء على طبق من ذهب فقط لأنها تنتمي إلى الجنس اللطيف والناعم من نسل أبينا آدم عليه السلام؟ نعم، هناك مواقف تُعطى المرأة فيها خصوصية وحظوة على الرجال لكن دخول المجلس النيابي ليس منها. فأنا أقبل أن يتم تقديمي على الرجال الواقفين في طابور قبلي على اعتبار أنهم بشهامتهم أدركوا أنهم أقدر جسديا على احتمال الانتظار مني، لكني لا أقبل أن أحظى بمقعد في المجلس فقط لأني أحسن المرشحات دون أن أتنافس كتفا بكتف مع جميع المرشحين، فقد يكون هناك رجل اجتهد وهو أحق مني بهذا المقعد، فكيف أتقدم عليه فقط لأني امرأة؟! ثمّ أنّ العمل النيابي عمل سياسي، فكري، تواصلي، إعلامي، فهل المرأة برأيهم ورأيهن أقل عقلا من الرجل أو أقل مقدرة على العمل الإعلامي والتواصل مع الجماهير حتى نفرد لها مقاعد ترضية؟ إذا كانت ندا في الإنسانية وفي العقل فلم لا تتحمل هذه الندية وتتعب وتجتهد شأنها شأن الرجل؟ وكما أن حصول المرأة على حقها السياسي استغرق سنوات طوال، فليستغرق دخول أول امرأة إلى المجلس سنوات طوال أيضا، فهذا أفضل من العبث بالعدالة.


ولكي تقتنعوا، هبوا أن نظام تخصيص مقاعد للنساء أقر، وتم تخصيص مقعد لامرأة في كل دائرة من الدوائر الخمس. ولنفرض أن المرشح الذي حلّ في المركز العاشر حصل على عشرة آلاف صوت، فإنه سيتم أخذ أول تسعة من الرجال، وسيتم استبعاد هذا المرشح لصالح امرأة قد لا تكون حصلت حتى على ربع الأصوات التي حصل عليها، فقط لأنها حلت الأولى بين النساء المرشحات في الدائرة! لو سألتموني، أنا شخصيا لا أقبل أن أقدّم على من تعب أو له قبول أكثر مني. الـ"كووتا" ظلم للرجل، وأفضل أن يكون لدينا أقل قدر من الظلم على أن يكون لدينا قدر –قليل أو كثير- من التمثيل النسائي. عذرا بنات جنسي، لكنه الحق، لكنه المنطق.