(وقت القراءة: 1 دقيقة)

كلا، أجلكم الله وأكرمكم. الأمر لا علاقة له بحذاء "سندريلا" الزجاجي الذي يشي بسخافة قصتها؛ إذ يعود كل شيء إلى طبيعته بعد منتصف الليل إلا هو. وأؤكد لكم أيضا أن الأمر لا صلة له أبدا لا بـ"خفيّ حُنَيْن"، ولا بـ"حذاء الطَنْبُورِي"، ولا بالخفين الرثين الذين ذكّرا الفتيات بهدايا العيد في رواية "نساء صغيرات"، ولا بالأحذية الحديدية التي كانت فتيات الصين يحشرن أقدامهن فيها كي تظل صغيرة.

إذا بلغ منكم الفضول مبلغه، شاهدوا هذا المقطع المصوّر:

 

 

 

(إذا لم يظهر المقطع، اضغط هنا)

أفواج وأمم من الأحذية تنتشر وتتناثر وربما تثرثر ريثما تنتهي صلاة العيد. ولا أظن أن الأحذية لديها مشكلة في ذلك، فهي الأخرى تريد أن تحتفل بالعيد وتبارك، بل وربما تلقت صغار الأحذية "العيادي" من كبارها! وكل هذا حق مشروع ليس لنا أن نستكثره عليها وهي تتحمل أوزاننا الثقيلة وحركاتنا غير المتوقعة ولا تئن ولا تشتكي. لكن ألا ترون أن علينا البحث عن طريقة أكثر كرامة ولطافة لجمع الأحذية ببعضها في العيد السعيد؟



لا أقول هذا لأفسد عليها تجمعها الميمون ولا محادثاتها البهيجة، لكن واقع الحال (وللأسف لم أتمكن من تصوير هذا المشهد إذ كنت ألهج قائلة: نفسي نفسي!) أثبت أن نسبة الإصابات بل والوفيات عالية بين الأحذية يوم العيد بمجرد خروج أبابيلَ المصلين من المسجد. فكم من حذاء جديد لم يكمل يومه الأول دُهس، وكم من حذاء من أعرق عائلات الأحذية نسبا ومكانة (ويدعوها العامّة "ماركات”!) تحول إلى جلد بالٍ بعد أن تلقى رفسات وركلات ودهسات من شخص ينقّب عن حذائه. ولا تنسَوا أن الفِراق واليُتم قد يطال بعض الأحذية فنجد أحد الزوجين صامدا بين زمرة الأحذية، في حين -ونتيجة للاختناق المروري العيديّ- يقفز الزوج الآخر قفزا اضطراريا مبتعدا، فيضيع وقد لا يتم التعرف على مكانه، ويتفرق الحبيبان وتسجل القضية ضد مجهول.


طبعا ما سبق سرد لما رأيته يحدث لأحذية النساء في الأوقات التي تزدحم فيها المساجد، أما إخواننا الرجال فأظن أن الأحوال لديهم تزيد عن هذا لارتيادهم اليومي للمساجد. فالسرقة مثلا قد تطال بعض الأحذية فتذهب مأسوفا على شبابها، خاصة إذا كانت جديدة وأصيلة المحتد، عفوا أقصد أصيلة الجلد. ولعل هناك حوادث أخرى تقع للأحذية لا علم لي بها، فأرجو من إخواني الرجال عرضها علي ليتم مناقشة أمرها، ورفع مظلمتها.

 

قد يقول قائل أن المساجد مزودة بأرففٍ مزركشة ومتعددة الأدوار توضع عليها الأحذية، لكن فلنكن صرحاء، من يستعملها؟ فحتى في أرقى المساجد، كثيرا ما تعلوها طبقة سميكة من الأغبرة المتراكمة من سالف الأحذية، فتجد أنه خير لك أن تترك حذاءك ملقى في العراء معرضا لحوادث الدهس والدعس والهرس من أن تضعه في فقّاسة الجراثيم هذه. وإن كنت محظوظا وكانت الرفوف نظيفة، ففي الغالب ستحتاج إلى "ذاكرة فيل" لتتذكر على أي رف تركت حذاءك خاصة أن الأماكن غير مرقّمة والأحذية قد تتشابه. وهذا يدفع المصلين إلى تصرف مشابه لكثير من سائقي السيارات الذين يفضلون إيقاف سياراتهم في أماكن غريبة وخطرة -لكن تذكرها سهل- على إيقافها في موقف كبير لكن غير مرقّم أو منظّم.


وبعد أن أشبعنا الظلام شتما، ما الحل؟ هل نأتي إلى بيوت الله بأقدم وأبلى الأحذية مثلا؟ إن فعلنا خالفنا أمر الله تعالى "يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ". هل يحضر كل مصل معه كيسا مثلا ليضع فيه حذاءه ويدخله معه إلى المسجد؟ لا أدرى عن شرعية ذلك، لكني أخشى من اعتراض منظمات حماية البيئة! فالأكياس البلاستيكية لا تتحلل وتضر بالبيئة، والورقية تستنزف الأشجار، ولدينا خمس صلوات في اليوم، وبحسبة بسيطة نكون قد كتبنا على سطر وأنقذنا الأحذية، لكن تركنا السطر الآخر فارغا وآذينا البيئة.



ويبقى حل أخير وهو ارتياد المساجد التي يبالغ أئمتها في التطويل في الصلاة، وتعاني من رداءة نظام الصوت، ويا حبذا لو كانت تعاني أيضا من تعطل التكييف خاصة أن رمضان بات يقترب من الصيف أكثر فأكثر! فهذه المساجد عدد روادها قليل بطبيعة الحال، وحوادث الأحذية بالتالي فيها ناردة. لكن ولأن مساجدنا ولله الحمد في الكويت ممتازة في أغلبها، فالشروط السابقة قد لا تتوافر إلا في نزر يسير من المساجد. لكن احذروا، فبعد فترة قد يذيع صيتها ونقع في مصيبتين، تدافع الناس عليها -نجاةً بأحذيتهم-، ونعود إلى معضلة الأحذية مجددا، وفوق ذلك معاناتهم من صلاة قد يعوزها الإتقان.



رباه! أيعقل أن يكون شيء بسيط ومستحقر مثل كيفية ترتيب الأحذية دلالة فاقعة وفاجعة على فشل أمة في فهم معنى النظام، وفشلها أيضا في ابتكار منتجات تحل مشكلاتها؟ نعم، يعُقل، يعُقل.



في العيد القادم قد أبحث عن مصلى أو مسجد غير مُتدافَع عليه، وإن كنت في الغالب سألجأ إن شاء الله إلى طريقة الكيس إلى أن تُفرج. أما عن المستقبل فأقترح أن ينتج أحد ما صناديق ذكية للمساجد (وأشعر أن المُنتِج سيكون صينيا، إما بوذيا وإما كونفوشيا والله أعلم!). وفكرتها بأن يكون في كل صندوق مكانان؛ واحد للحذاء والآخر للهاتف النقّال. يضع المصلي إبهامه على المحَس (sensor) فيتبرمج الصندوق وفق بصمته وينغلق. وبمجرد فراغ المصلي يضع إبهامه تارة أخرى فيُفتح الصندوق مفرجا عن آمانات المصلي، وتُمسح بصمته من الذاكرة استعدادًا لخدمة شخصٍ آخر في صلاة أخرى. فكرة نظم الأمان المعتمدة على بصمة الإصبع بدأت بالانتشار وتكلفتها آخذة في الانخفاض ولا أدل على ذلك من انتشارها في كثير من الحواسيب المحمولة. ويمكن لتقليل التكلفة استعمال محس واحد لمجموعة الصناديق كلها، ويُدخِل المصلي مثلا رقم الصندوق الذي أودع فيه مقتناياته الذي ثم يسجل بصمته.


هنالك يخرج الحذاء لا شِيةَ فيه، وينال الهاتف النقال غفوة بعيدا عن صفوف المصلين، وينال المتعبدون شيئا من الطمأنينة والتركيز، والكثير الكثير من النظام والنظافة والانشراح. وإلى ذلك الحين، أرجو ممن يعرف من أين يمكنني شراء أكياس صديقة للبيئة ألا يبخل علي بالخبر.