(وقت القراءة: 1 دقيقة)

طوال يفاعتي كنت أسمع الجيل الأكبر يكيل الركلات الكلامية لجيلنا (مواليد الثمانينيّات) المتهم بالكسل والبلادة، الجيل الذي نما في حِجر الألعاب الإلكترونية، وغُذِّي بالأكل غير الصحي، وقرأ قشور الكتب، وجُرّبت عليه –من وجهة نظرهم- وسائل تعليمية عقيمة، ذلك الجيل المشدوه بالتلفاز والمشدود بأشرطة الفيديو، ذلك الجيل الذي رزح بين الفُتات الذي تقدمه "المناهل" و"افتح يا سمسم" ولم تتح له فرصة مصافحة أمهات الكتب، ذلك الجيل الذي خرج من رحم السرعة خديجا وتمكن –رغم كل ما سبق- أن يجاري التغيير بل أن يصنعه بسرعة أسرع من طائرات الـ"كونكورد".

كانوا يقارنون بيننا وبينهم، كانوا يترحمون على الأيام الخالية، يترحّمون على الألعاب البسيطة، والنفوس الصافية، والوقت الذي لم يفقد بركته. يترحّمون على جديّة التعليم في أيامهم، وعلى وقار أساليب اللعب والترفيه. هل تصدقون أنهم كانوا يقولون عنا "جيل آخر زمن"؟ كانوا يقولون أن جيلهم جيل كدح وتعب واجتهاد، أما جيلنا فهو جيل نعماء وبذخ، جيل يربح كل شيء بسهولة. كان شعار جيلهم "اكدح واربح"، في حين أن شعار جيلنا "فكّر واربح"! كانوا يرون أن التفكير عملية بيولوجية نشترك فيها مع الحيوانات، فلم عسانا أن نربح لمجرد تفكير إدارة عجلة أدمغتنا المربوطة سلفا بأجهزة الفيديو والحاسوب. كانوا يرون أن جيلنا جيل أفرط في استخدام عقله حتى نسي ساعديه، ونسي قلبه.


أين أولئك الذين قالوا عن جيلنا ما قالوا أعلاه؟ أين أنتم اليوم؟
إذا كنتم تشنِّعون علينا باعتبارنا جيل "فكّر واربح"، تعالوا كي نقدم لكم الجيل الجديد؛ جيل "امسح واربح"! هذا الجيل الذي تنطبق عليه تهمنا ذاتها، مع زيادة في الجرعة والمقدار، وتطور (أو ربما تقهقر، سمّوه ما شئتم) في الشكل والأداء. الجيل الذي بلغ به الكسل  مبلغه حتى أنه ما عليه إلا أن يجيب على سؤال سخيف من نوعية "ما هو الكائن الذي يموء ويبدأ اسمه بحرف القاف؟" أو أن يرسل رسالة هاتفية فارغة ليربح سيّارة فاخرة، جيلٌ –إذا ارتدينا نظارتنا السوداء فقط- غُذِّي بالمقامرة، ونبت من تربة الحظ، جيل إذا اضطر إلى إعمال عقله سألك: "هل يوجد خيارات؟"

هل سأفعل مثلكم وأقول عن الجيل الصاعد أنه "جيل آخر زمن"؟ لا وربي لن أفعل، ولن أقع في الفخ الذي سحب أرجلكم وسحب معها مقدرتكم على التمييز والحكم السائغ. هذا الجيل الذي ينمو أمام عيوننا جيل خير، وليس ذنبه أنه جيل مختلف، فهذه سنة الله في الأرض وصبغته.


لن نفعل مثلكم ولن نفعل مثل الأمم الخائبة؛ ﴿...كلما دخلت أمة لعنت أختها ...﴾ (سورة الأعراف، 38) ولن يلعن جيلنا عَقيبه، بل سنهديهم ملاعقَ من التفهم، لأننا مثلهم وصمنا بأننا جيل "آخر زمن" وتُغوفل أنه يمكننا أن نقدم الكثير إذا ما نظر إلى اختلافنا عن الماضي بأنه اختلاف تنوع وإفادة، واختلاف ضرورة، فلو جمد الجيل الجديد، لتطورت الحياة وتركته خلفها مشدوها يصارع الندم.


لن نكون مثلكم بخلاء، ولن ننظر إليهم بعين ضيقة، بل سنمد يدا سخية للجيل المتبرعِم، يد تُعيره الخبرة والتوجيه ولا تعيِّره بهما، يد لا تصفعه بالتبرم واليأس والتيئيس، يد تشاركه الهموم، يد تكبُره عمرا ونضوجا لكن لا تتكبّر عليه. تقلقني أمور كثيرة في هذا الجيل، لكن تعجبني أمور أكثر وأوفر بل وأتعجّب منها. فلنكن صرحاء، فالأبواب المشرعة لدى هذا الجيل أفسح من سابقيه، فلنكف عن الخوف من الأبواب المفتوحة حتى وإن جاءت منها ريح التغيير والتجديد، وإذا كنتم خائفين قولوا كما قال المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه "اللهم اجعلها رياحا، ولا تجعلها ريحا"، ولنأمل خيرا من رياح ورياحين الجيل الجديد!