(وقت القراءة: 1 دقيقة)

عزيزي إبليس،

لعائن الله عليك وبعد،

أعلم جيدا أن رسالتي هذه ستصلك، فأنت وقبيلك تروننا من حيث لا نراكم. وإني أكتب لك هذه الرسالة لأعتذر عن ظني السيئ، و{إن بعض الظن إثم} حتى مع إبليس! فقد وسوستْ لي نفسي أن بعض الأشقياء من بني البشر هم من يوسوس لك ويعلمك الشر، خاصة وأن أحد الشعراء قال ذات يوم:

وكنت امرأً من جند إبليس فارتقى *** بي الحال حتى صار إبليس من جندي

إذ لم أتصور أن كائنات غير مشهور عنها الإبداع أو الحذق يمكنها أن تولد هذه الشرور، فظننت أنهم استهووك لا العكس! وبعد التمحيص تبين لي أن هذا الظن فاسد وأن حقوق الملكية الفكرية محفوظة لك، وأن الجن -الذين لا لم يدلهم على موت سليمان عليه السلام إلا منسأته، والذين ظنوا {أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا}-- قد طوروا أنفسهم أسرع مما عمّر منكوبو القنبلة الذرية في اليابان بلادهم. و ها أنا أراك ونسلك تسحبون بساط المكر من الثعالب واليهود! لذا أعتذر، وأعترف بأن نسلك يا إبليس تمكن وبجدارة من احتناك بعضٍ نافذٍ ذرية أبي آدم.

 

 

أعترف بهذا بمناسبة قرب شهر رمضان المبارك، حيث تغادرنا وتستخلف الذين استهويتهم من البشر وعيّنتهم برتبة "قائم مقام"، وأعترف هنا للمرة الثانية أنك إداري ناجح خاصة في تطبيق مبادئ التفويض وبناء المهارات الإبداعية لدى مرؤوسيك الذين يبدعون نيابة عنك أثناء قضائك إجازتك، ولعلك تنشر كتابا تخبرنا فيه بأسرار تجربتك هذه! يمكنك تسميته مثلا: "الوسوسة من غير معلم"، "مدخل إلى الاستهواء"، "احتناك البشر وتجنيدهم: الدليل الكامل"، "مرشد الضباع إلى برمجة الأتباع"، "البرمجة عن بعد: كيف تستحوذ على قعر وأنت في عقر دارك".

 

عزيزي إبليس،

حين أتأمل حالنا في رمضان –وأنت مصفد- أتعجب كيف زرعت فينا البيت الشهير:

نحن قوم لا توسط عندنا *** لنا الصدر دون العالمين أو القبر

لا وسطية في رمضان، فشعار المرحلة هو التعويض والتشفي؛ فنتزاور كما لو أننا لم نتزاور من قبل، ونأكل في الليل بأثر رجعي ما كان يمكننا أكله في النهار والليل معا، وطبعا نقوم بالتكفير عن آثامنا العظام من صيام وقيام بمشاهدة أقذع المسلسلات وأسخف البرامج تحت شعار تسلية الصيام والبر بالعقل المثقل بهجوم السكريات. في رمضان نعمل لدنيانا كأننا لم نعش قط، ولم نأكل قط، ولم نأثم قط، ونتمنن على الله وكأننا أصحاب الفضل. أراهن –لو كان الرهان حلالا- أنك تضحك كثيرا حين تراقبنا من بعيد في رمضان، فما نفعله فيلم هزلي من الدرجة الممتازة.

كنت أتابع إعلانات لبعض المسلسلات التي ستُترع الشاشات في رمضان، وفي إعلانين فقط أحصيت 4 لقطات عنف جسدي تجاه المرأة، ولقطتين أو أكثر فيهما عنف لفظي. الشيء الوحيد الذي افتقدته هو مشاهدة رجل يسحل امرأة من شعرها على طريقة رجل الكهف! وإني لأعلم أن هذا من تدبيرك وتلبيسك، فأمة يحترف فنها تحقير المرأة والفت من عضد كرامتها، ويحرص على تصويرها أداةً وسلعةً وشيئًا هي أمة تنخر طريقها إلى الهلاك المجتمعي، وهذه هي البيئة التي تزدهر أنت وقبيلك فيها، أليس كذلك؟ اعذرني إذ كشفت مخططك، لكنه مخطط ذكي ويستحق الإشادة من باب تعميم الاستفادة.

 

عزيزي إبليس،
يسؤونيأيها الغَرور أن تصاب بالعجب والكبر بعد أن قرأت مديحي الآنف لك، فهذا مضر عليك وقد تودي بك شدة الغرور إلى التدمير الذاتي، ووجودك مهم جدا لتوازن الخير والشر وفي العالم. لذا سأثيبك غما بغم، وسأعلن أن هناك ثلة من بني آدم ليس لك عليهم سلطان، ولا ينفع كيدك معهم لا في رمضان ولا في غيره، كوكبة لا يمكنك أن تستفززهم أو تجلب عليهم أو تشاركهم. إنهم الطلقاء المخلَصون، ومالك عليهم من أمر.

 

عزيزي إبليس،

هل ستغادر رمضان مطمئنا؟ نسيت الليلة التي خير من ألف شهر مثلا؟


دعاء:

اللهم إنا لم نعشُ عن ذكرك، فقيّض لنا ملاكا فهو لنا قرين!