(وقت القراءة: 1 دقيقة)

 

هرّة نحيلة، لها فراء أبيض ضحل مزين ببقع رمادية، عيناها زرقاوان محاطتان بلون أسود جميل. قررت أن أسميها كحيلة. هل أخبرتكم أن شغفي بالهررة وصل إلى مرحلة إطلاق أسماء على الهررة التي أصادفها في الشارع؟

 

أعلم أن بعضكم توقف عن القراءة سلفا، وأن البعض الآخر إنْ يستمر في القراءة إلا ليعرف ماذا تقول هذه الكاتبة الغريبة، وقليل منكم يتابع لأنه –وبصدق- يحب مخلوقات الله الأليفة اللطيفة الشفيفة.

 

حينما مررت بكحيلة، كانت تعتلى حاوية نفايات صغيرة. أخذت تنظر إليّ بتوجس متهيئة للجفول. آلمتني تلك النظرة في عينيها. كل هذا الخوف، والترقب، والعدائية المحتملة. هذا الافتراض أني جئت لأنغّص عليها وجبتها. وجبتها التي يستكثرها عليها الإنسان. الإنسان المجرم الذي اقتلع الهررة من بيئاتها الطبيعية وزرعها في مدائنه كي تكافح القوارض. وحينما أنهت مهمتها، بات يتوجع من الهررة التي تتناسل بإفراط، وتقتحم حاويات نفاياته وأفنية مبانيه، وتستظل أو تستدفئ بسياراته. الحل سهل جدا عزيزي الإنسان، تحمل مسؤولية أفعالك. اجمع الهررة التي جلبتها وارمِ بها في مواطنها الأصلية، و"لا ضرر، ولا ضرار" كما قال الحبيب عليه الصلاة والسلام! 

 

وظل السؤال يعجنني؛ أنيّ ينثّ كل هذا الخوف في قلب كحيلة وعينيها؟

 

* * * * *

 

في المساء كنت أسير في الشارع نفسه، ويمشي قبالتي من بعيد شاب ومعه طفل في السادسة أو السابعة يبدو أنه شقيقه. لاحظت حاوية نفايات تجلس فوق قمتها هرة لم يتسن لي أن أطلق عليها اسما. كانت في منتصف المسافة بيني وبين الشاب والطفل. هنا، توقعت ما سيحدث. سيتوقف الشاب، ويلتقط شيئا (حجرا أو عصا من قرب الحاوية) ويعلّم الطفل كيف يضرب الهرّة. أخذ الأدرينالين يتصاعد، وانجرفت أفكر في الكلام الذي سأوجهه للشاب. لأعنفنّه على العادات السيئة التي يعلمها هذا الطفل البريء في شهر مبارك.

 

أبطئ في المسير استعدادا لما كنت أتوقع. لكنهما يستمران في المسير متجاوزين الهرة. وفجأة، يتخلف الطفل عن مرافقه كالآسف على تفويت طقس مبجّل. يلتف متجها نحوها، يركل رجله بقوة في الهواء صوبها، ويمضي ... آآآآه! تغيير مفاجئ في السيناريو! لا تسعفني اللغة سوى أن أقول له "لا! حرام!" بصوت متهدّج بالصدمة. لكن الطفل لا يلتفت إلىّ البتة. خانني صوتي كالعادة؟ لا. بل الطفل مزهو جدا بانتصاره، فما يسمع صوتا غير صوت المعركة.

 

الآن أعرف من أين جاءت تلك النظرة في عينيّ كحيلة. الآن يُلحّ بي بيت إيليا أبي ماضي الذي توجه به إلى زهرة قطفها عابث:

 

وأكثرُ خوفي أن تظنّي بني الورى *** سواء، وهم مثل النبات ضروبُ