(وقت القراءة: 1 دقيقة)

chicken prison

 

تخيّل نفسك هنا مقفوصا، تخنقك رائحة النتانة، لا يسعك أن تنام دون أن تلتصق بغيرك. تخيل نفسك تأكل من إناء جماعي الطعام ذاته كل يوم، تأكل الذرة المعدّلة وراثيا التي تعبث بجسدك، وتعربد في تركيبتك وخلاياك. هَبْ نفسك محروما ضوء الشمس، ومحرّم عليك أن تتنشق هواء نظيفا خاليا من راحة الذرق والخبث. أمّا أن تمشيَ، وتمرحَ، وتلتقطَ الحبوب من الأرض الرؤوم، فترفٌ ممجوج لا ترهق نفسك فيه تفكيرا. وحين تعطش، وتود لوتتغرغر بماء نظيف، لا تجد إلا ماءً ولغ فيه كثيرون قبلك، ماء في وعاء لم يعبأ أحد أن ينظفه من الفضلات.

وتخيّل الشيئين القابعين على جانبيك، أجل هذان الشيئان الصغيران المسميان جناحين، تخيل أنك لم تفردهما منذ زمن طويل، حتى أصابهما الخدر والخوار. تخيل أنك تكبر بسرعة عجائبية، تقريبا مثلما حدث لألِس حينما شربت من تلك القنينة في بلاد العجائب. هرمونات تحقن في جناحيك الصغيرين الخدرين، فتكتنز، وتكتنز، تتضاعف ... لكن ثمة شيئا من الداخل يُضعفك ويُضعضعك.

تخيل حين تمرض، فتُغرس حقنة المضاد الحيوي في عنقك، تشعر بانتعاش غريب مؤقت، لكن يظل مرضك الأكبر يلازمك كظلك. ظل؟! وما الظل؟ أجل، استغرب، اضحك وحُق لك أن تستغرب، فأنت لا تعرف ما الظل، وأنّى لم هذا وأنت لم تحظ في حياتك بمساحة خاصة.

تخيل نفسك مكتئبا، معمورا بالأمراض، هرِم الخلايا مشوهها. كل ذرة فيك محملة بالألم، والضيق، وأدعية كثيرة وشكاوى رفعتها إلى الله أن ينتقم لك ممن فعل فيك هذا.

تخيل يا هذا أنك أنا. أنا الدجاجة المقفوصة الواردة في الصورة أعلاه. ثم تخيل أن تأتي -يا مأفون- وتأكلني! بربك، ماذا سيحلّ بك؟! لا، لن آسى كثيرا عليك. أنت تعلم بالضبط ما يحدث لي، ولم تحدثك نفسك يوما أن تنكر ولو بلسانك، ولو بقلبك. أما يدك التي كنتَ أمنّي النفس أن تغيّر وضعي المزري فيها، فهي –ويا لي من مخدوعة- اليد التي امتدت لتشتريني، وتطهوني، وتلتهمني.

وأنا الآن أسري في جسدك، أنشر بثّي فيه، أطبّق ناموس الله في الكون، أنزل النقمة مع كل لقمة. وحينما يصيبك العطب، وتحار من أين تأتي هذه الأمراض الغريبة، سألوح لك بجناحيّ الخدرين. وأدري أنّك لن تعبأ بي. ستثرثر بغرور وتبربر بأن الله أحلّ لك أكلي. أود لو أخبرك أن الله أحلّ الأكل لا التنكيل. وأني، وإن ذبحت وفق الشريعة الإسلامية، فإني لم أعش وفقها أبدا! وكم أودّ لو أقول لك إن الله الذي سخّرني لك، سخّرك لي أيضا، وجعلك خليفة في الأرض لترحم لا لتحطم وتظلم. وأودّ لو أقول، وأودّ، لكن غمامة سوداء من الجشع والجهل تحول بيننا. ألوّح لك بجناحي الخدرين مجددا، لأخبرك بوصيتي الأخيرة، أمنيتي الأخيرة: يا ابن آدم، راجع إيمانك، راجع إنسانيتك!

ألوّح بجناحي الضعيفين، لكنك سادر عني، مشغول بمشاهدة مسلسلك الدموي المفضل، في حين أتحول أنا في جسدك إلى خلايا انتقامية لعينة تأكله.

يا ابن آدم، لقد أُكلت يوم أكلتَ وتغافلت.