(وقت القراءة: 1 دقيقة)
منذ سنوات، أتذكر أني أمضيت وقتًا طويلًا أحاول فك رموز كلمة إنجليزية غريبة صادفت ناظري؛ ta3reeb. التفسير الوحيد الذي وصلت إليه آنذاك هو أن الرقم 3 يشير إلى كلمة three وبالتالي وبإضافة "ثري" إلى بقية مقاطع الكلمة تصبح الكلمة "تثريب." مر وقت طويل إلى أن عرفت أن الكلمة التي حرت فيها هي "تعريب" وأن الثلاثة هي عبارة عن بديل لحرف العين! اكتشفت يومها أيضًا أن اسمي أصبح " 7 آيات"! فحياة بلغة التعريب الجديدة تكتب 7ayat والسبعة هنا دالة على حرف الحاء نظرًا للتشابه البيّن بينهما من حيث الرسم. ليست هذه هي نهاية المطاف؛ فالهمزة يقابلها رقم 2 والخاء رقم 7 المتبوع بقوس اقتباس مفرد نحو 7\'alid أي خالد ، والطاء رقم 6 والظاء رقم 6 المتبوع بقوس اقتباس مفرد، والصاد رقم 9، والضاد رقم 9 المتبوع بقوس اقتباس مفرد، والغين رقم 3 المتبوع بقوس اقتباس مفرد والقاف رقم 9 المتبوع بقوس اقتباس مزدوج. لا أحد يعلم من ابتكر لنا هذه الوسيلة المعبرة والذكية، لكن العم كمال أتاتورك منشئ الجمهورية التركية كان سيسر كثيرًا بهذه الخطوة وهو الذي محا - وبجرة قلم - الحرف العربي عن بكرة أبيه من تركيا واستبدل به الحرف اللاتيني. المنطق على أي حال يشير إلى أن هذا النظام في الغالب نتج يوم كانت الكمبيوترات لا تدعم اللغة العربية، فتم ـ وتحت شعار "الحاجة أم الاختراع" ـ ابتكار هذه الوسيلة، ومن له حيلة فليحتل.
السؤال المشروع يقفز هنا: لم لا تزال هذه الطريقة رائجة لدى الشباب - وفي بعض الأحيان غيرهم ـ في المحادثة وفي الكتابة رغم التقدم الكبير في دعم كتابة اللغة العربية؟ أهي "عقدة الخواجة" مثلًا والإحساس الداخلي لمن يكتب بحرف لاتيني أنه أكثر ألمعية وتفوقًا على من يكتب بالحرف العربي؟ ربما.
فلنحاول أن ننظر عن كثب؛ خذ عينة من أي محادثة مع من يستخدمون هذا النظام وستلاحظ أن العامية اكتسحت المكتوب كله، وستلاحظ أخطاء لغوية مفزعة كالخلط بين الضاد والظاء في اللهجات الخليجية أو التعبير عن القاف بهمزة كما هو حاصل في اللهجات الشامية ولهجة مصر. لا أريد النفاذ إلى تحليل محتوى محادثات الشباب وإلا سأضطر إلى تحويل اسم زاويتي من "أسلاك شائقة" إلى "أسلاك شائكة" لكن ما أريد الوصول إليه تحليل السبب وراء استمساك البعض بهذا النظام، مع العلم أن النظام متميز لكن لم التعلق به وهنالك ما هو أكثر تميزًا وأوفر تعبيرًا؟
يقفز إلى ذهني مثال يتكرر يوميًّا: الشاب "فلان" بلباسه الغربي وبلكنته العربية المطعمة بكلمات إنجليزية بلكنة بروكلين الأمريكية، الشيء الوحيد الذي يثير النشاز في المشهد تأخره في موعده وإيقافه سيارته في مكان يمنع فيه الوقوف. ألا يشبه هذا المشهد ذاك؟ فـ"المدردشون" استمسكوا بقشرة الغرب (نظام الأحرف) وأبقوا على نظمهم اللغوية المتخلفة بعاميتها وبأخطائها اللغوية المفزعة، والشاب فلان كذلك استمسك بالقشرة وأبقى على المضمون المشوّه. وكلاهما لم يصب لا كبد الصواب ولا حتى ركبته، ففلان لا اهتدى بالهدي النبوي وجاء في موعده (انفصال الشباب عن الجانب العملي الأخلاقي في الدين) ولا أحسن انتقاء ما يستورده من الغرب (استورد الظاهر دون الباطن).
في قضية التعريب نحار على من ننحي بالتثريب. حسنًا ما رأيكم أن ندعي أنها مؤامرة نسجها أتاتورك؟ قد لا يكون هذا منطقيًّا فأشك أن أتاتورك الذي رحل عام 1938 قد شاهد كمبيوترًا بشكله الحديث، ولكن ما الضرر فنظرية المؤامرة هي المنتج الوحيد الذي يمكننا أن نعلق عليه ملصقًا يقول "صناعة عربية 100%"