(وقت القراءة: 1 دقيقة)

الشارع الإسلامي الكويتي عبَّر عن تفاؤله الحذر
دعاة: وصول غــل لرئاسة تركيا يؤكد استحالة إقصاء الإسلام
مهدي عبدالستار وعلاء الدين مصطفى ورانيا حسام

جريدة الوسط، السبت 1 سبتمبر 2007

أبدى عدد من الدعاة وأساتذة الشريعة في الكويت تفاؤلا، حذرا من وصول التيار الإسلامي لسدة الحكم في تركيا «العلمانية» مؤكدين على إبراز الحدث للعمق الإيماني في نفوس الشعوب المسلمة التي تأبى ارتداء الثوب العلماني، رغم محاولات التغريب المستميتة لاستبداله بثوب الإسلام الحنيف، وطالبوا بضرورة التمهل وعدم الاستعجال في فرض الهوية الإسلامية الكاملة على المجتمع حتى يتلاشوا الاصطدام بالمؤسسة العسكرية القوية هناك، كما طالبوا الدول العربية والإسلامية باستثمار الحدث في تفعيل الشراكة الإسلامية بين شعوب المنطقة وعدم التأثر بمواقف الغرب الرافضة لكل شيء ذي صبغة إسلامية.
بينما اعتبرت بعض الناشطات ان وصول غول للحكم يعتبر بداية لنهاية حظر الحجاب في تركيا، خصوصا أن سيدة تركيا الأولى لم تتخلَ عن حجابها، رغم الضغوط الشديدة عليها وعلى زوجها.
وطالب المشاركون في تحقيق «الوسط» بالتأسي بالتجربة الديموقراطية التركية على مستوى الشعوب والأنظمة، حتى الراغبون في تصدر مواقع اتخاذ القرار في البلاد الإسلامية، فإلى تفاصيل التحقيق:


في البداية يؤكد عضو المكتب السياسي بالحركة السلفية سالم الناشي أن انتخاب عبدالله غل رئيسا جديدا لجمهورية تركيا يأتي ضمن السياق العام الذي ارتضاه الشعب التركي في ان يختار زعماءه بطريق الانتخاب الحر، إذ انتخب الشعب حزب العدالة والتنمية 22/7/2007 وبأغلبية كبيرة ليدير البلاد، وبالتالي، فإن النظام التركي يجعل الحزب الحاكم هو الذي يدفع باختيار الرئيس، إذ يحصل عادة على الأغلبية للوصول لكرسي الرئاسة.
لذا، لا يمكن انتقاد عملية محكمة اتفق عليها الشعب، فانتخاب البرلمان التركي يوم الثلاثاء 28/8/2007 وزير الخارجية السابق ذا الأصول الإسلامية عبدالله غل رئيسا للبلاد في جولة تصويت ثالثة هو الطريق الذي ارتضاه الشعب التركي له، لذا لا ينبغي للعلمانيين هناك او غيرهم من الاحتجاج، بل عليهم تقبل هذا مثلما تقبلت الأغلبية 10 رؤساء سابقين من ذوي الميول العلمانية.
وأضاف الناشي قائلا: كما ان انتخاب الرئيس عبدالله غل، ومن قبله حزبه حزب العدالة والتنمية يؤكد على العمق الاستراتيجي للدين الإسلامي الموجود والمؤصل لدى الشعب التركي، وإن جميع المحاولات التي سعت إلى إبعاد الشعب التركي المسلم عن هويته الإسلامية قد فشلت، فعلى الرغم من مرور ما يقارب 84 عاما على هيمنة العلمانية على الدولة التركية، إلا ان الإسلاميين وبعد معاناة طويلة استطاعوا النفوذ الى الجسم العلماني وتجاوز جميع العقبات والوصول الى أعلى السلطة.
واعتقد ان نجاح الرئيس غل سيساهم في التوافق والانسجام بين الحكومة والرئاسة، وسيقدم تركيا بشكل جديد للعالم، وسيثبت هذا النظام انه جدير بالاحترام وأن لديه القدرة على مد جسور التعاون مع الدول المجاورة، سواء العربية والإسلامية أو الدول الغربية.
وقال: لا أعتقد ان نجاح الرئيس غل سيؤثر على مواقف الدول الكبرى من تركيا ولا على علاقاتها السياسية مع الاتحاد الأوروبي.. لقد استطاع حزب العدالة والتنمية من قيادة البلاد على مدى السنوات الخمس الماضية، وها هو يحظى بدعم الشعب مرة اخرى، وبالتالي، هو يحقق نجاحات ملموسة وواضحة للجميع.
ويوضح الناشي ان انتخاب غل واجه الكثير من العراقيل منذ الربيع الماضي، بسبب ميوله الإسلامية ولأنه عضو في حكومة ذات اتجاه إسلامي سبق ان أجبرها الجيش على الرحيل، ولأن زوجته تغطي رأسها بحجاب، وهو ما يعتبره العلمانيون المتشددون من رموز الإسلام السياسي.
وتمنى الناشي ان تستثمر الدول الإسلامية التطور الكبير في السياسة التركية، وأن يكون لتركيا دور متميز في دعم قضايا الإسلام والمسلمين، وأن تمد جسور التعاون مع جميع الدول الإسلامية، معتقدا أن تركيا ستضع أملا لكثير من شعوب العالم في ان الصبر والعمل سيكونان نتيجتهما انتصار لهذه الشعوب، وعودة لما ترغب فيه، وأن ما طرأ عليها ما هو إلا امر دخيل ترفضه الشعوب مهما استقوى الساسة وبطش من بطش، فها هو الشعب التركي ينال مبتغاه بعد سنوات طويلة من فرض العلمانية عليه.

النجاح الكبير
الناشطة الاسلامية رئيسة الهيئة الادارية لرابطة الاسرة والمرأة الخليجية «وفا» فرع الكويت خولة العتيقي، ترى ان الحكومة التركية لو تركت من دون ان تحارب مثل ما حوربت غيرها من الحكومات الاسلامية في الجزائر وفلسطين فإنها ستنجح نجاحا كبيرا، مشيرة إلى ان لتركيا دستورا ثابتا وواضحا وقالت: الرئيس الحالي لن يغير في نظامها السياسي شيء، بل هو مجرد حاكم اختاره الشعب بأغلبية، وسينجح اذا اراد له الغرب ان ينجح.
وتابعت قائلة: وبالرغم من ان الجميع يعتبر ان الحكومة الاسلامية «بعبع» وانها غير قادرة على قيادة دولة، الا انهم لو اعطوها الفرصة كاملة لتكون تجربة اسلامية رائدة خصوصا ان اسلاميي تركيا منذ عدة سنوات حققوا نجاحا كبيرا من خلال البرلمان التركي، ولم يؤثر ذلك على نظام تركيا العلماني.
وتستطرد العتيقي قائلة: والمشكلة في علاقة الدول العربية مع تركيا في ظل رئيسها الجديد، انها ستظل تترقب ماذا سيقول الغرب والولايات المتحدة الأميركية عنها، وبناء على ذلك ستحدد سياستها وتسير وراءها، فلو حارب الغرب وأميركا هذه الحكومة ستحذو حكوماتنا حذوها.
ثم استدركت قائلة: ورغم اعتقادي ان هذا سيحدث، الا انني ارجو الا تسير حكوماتنا على هذا النهج وقالت: لانها من المفترض ان هناك جسورا وعلاقات طيبة تربط بيننا وبين الشعب التركي ويجب الا تتغير بسهولة ارضاء لأي جهة او وجهة نظر مهما كانت قوتها».

اختراق النظام العلماني
استاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت الدكتور عبدالله الغانم، من جانبه يرى ان تمكن الحزب الاسلامي في تركيا من الوصول الى سدة الحكم، يعتبر تطورا في اداء الحركة الاسلامية واختراقا للنظام العلماني التركي.
ويستدرك قائلا: الا ان هذا الاختراق سيظل محفوفا بالمخاطر، لأن المؤسسة العسكرية معروف مكانتها وقوتها وانها هي التي تمسك بزمام الامور في تركيا.
ويبين الغانم، ان الاسلاميين في مرحلة من الخطر، اذا ارادوا الهوية الاسلامية على تركيا العلمانية، مشيرا الى ان المؤسسة العسكرية وضحت اكثر من مرة ان وصول الاسلاميين الى سدة الحكم لا يعني تغيير النظام التركي العلماني كما يرى الغانم أن الفترة المقبلة من الحياة السياسية التركية، ستشهد صراعا بين القوى الإسلامية المدعومة من الشعب وبين المؤسسة العسكرية التي ترفض أن تتخلى عن إدارة الدولة حتى لو كان ذلك على حساب إسقاط الحكومة المنتخبة، والعودة مرة أخرى إلى سيطرة العسكر كما حدث مع رئيس الوزراء التركي السابق نجم الدين أربكان، ذي التوجه الإسلامي.
وقال: أما في ما يتعلق بانعكاسات التجربة التركية على العالم الإسلامي، فأعتقد أنها ستكون محددة، لأن العالم الإسلامي لايزال بعيدا عن التجربة الديموقراطية الحقيقية.
وأكد أن التجربة التركية تعتبر تجربة خاصة في الواقع التركي، وهذا نتاج لتجارب أخرى تعلموا منها، واستفادوا من محطاتها، خصوصا تجربة حزب الرفاة الذي كان الفشل في انتظاره بسبب الصبغة الإسلامية، التي حاول فرضها على المجتمع، ومن ثم استطاع الإسلاميون الاستفادة من التجربة وتخفيف النبرة الإسلامية في خطابهم العام على الأقل، حتى لا تتعارض مصالحهم مع مصالح المؤسسة العسكرية.
وعن الموقف الغربي من تجربة غول، قال الدكتور الغانم: إن علاقة تركيا بالاتحاد الأوروبي ستعتمد في الدرجة الأولى على حنكة الرئيس غول نفسه في إدارة شؤون الدولة، وإظهارها بأنها دولة معتدلة سياسيا، وستبقى هذه الفترة بمنزلة الاختبار المهم لحكومته.
ولم يخف الدكتور الغانم إعجابه بالرئيس التركي عبدالله غول، الذي استطاع أن يستثمر خبراته الديبلوماسية، ولاسيما أنه كان وزيرا للخارجية في هذا المجال، وإظهار تركيا على أنها دولة معتدلة.

دلالات متعددة
مستشار جمعية الصحافيين عدنان المضاحكة من جهته، يرى ان وصول رئيس ذي ميول إسلامية الى سدة الحكم في تركيا يحمل دلالات متعددة تستحق التوقف عندها وأول هذه الدلالات: العدل، اذ ان فتح المجال للممارسة الديموقراطية بعدالة وأمانة تتيح الفرصة لوصول الصوت الحقيقي والصادق للشعوب بالعالم.
وأضاف: كذلك الصدق، إذ ان الشعب التركي كان صادقا وصريحا في خياره الديموقراطي، فجاءت النتائج معبرة عن هوية وضمير الشعب التركي المسلم، والذي يعتبر اكثر شعب مسلم تعرض للتأثير العلماني المكثف والمستمر على مدى اكثر من ثمانين عاما، حاول خلالها العلمانيون بذل جهود مضنية وخطوات مدروسة لإبعاد الشعب عن هويته وجذوره الإسلامية، واستطاعوا ان يحققوا بعض ما أرادوا، إلى ان ملّ الشعب وأدرك ان جذوره اصيلة وممتدة في عمق التاريخ، فاختار بنفسه وبطواعية شديد، الهوية الإسلامية المعاصرة التي تحترم قواعد اللعبة الديموقراطية وتؤمن بالتعددية وحق الآخر في التعبير عن فكره.
وقال المضاحكة: ويمكنني القول من دون غضاضة ان الشعب التركي سيقدم نموذجا طيبا يوضح قدرة الإسلام على التعايش مع العصر، اذا توافرت لديه قيادة ذكية تقدم الدين للناس بعدالة وموضوعية وخطوات متأنية في الإصلاح، وتمنى المضاحكة على الحاملين لشعارات الديموقراطية والعلمانية، كما وصفهم بأن يحترموا خيار الشعب التركي الذي اكدته الانتخابات المبكرة التي اثبتت وأكدت على خيارها لمن يمثلها بالبرلمان والحكومة والرئاسة التركية، كما تمنى على دول العالم الإسلامي كلها ان تقتدي بالنموذج التركي ويترك الشعوب المسلمة ان تقرر خيارها بكل موضوعية وحرية.


وترى رئيسة تحرير موقع «ناشري» الإلكتروني حياة الياقوت في ذات السياق، ان ما يحدث في تركيا لافت حقا، فرغم علمنتها رسميا، ورغم الضربات الموجهة التي تلقتها القوى الإسلامية التي اضطرت الى تغيير اسمائها من حزب «الرفاه» الى حزب «الفضيلة» فـ «العدالة والتنمية» وغيرها، رغم هذا كله يتفوق الخيار الشعبي والاجتماعي على الواقع السياسي المفروض بدعم من الجيش، وقالت: لقد فرض كمال أتاتورك العلمانية على تركيا، وحوّل كتابة اللغة التركية من الحرف العربي الى اللاتيني، بل وشهدت تركيا في حقب كثيرة تقاربا بين الهلال التركي ونجمة داوود الاسرائيلية، لكن القوى الإسلامية في تركيا أراها مثل العنقاء تخرج كل مرة من الموت أكثر قوة واكثر حياة.
وأضافت قائلة: لكن الأمر الأهم في نظري في الجعبة التركية هذه الأيام هي ان كل ما يحدث رد عملي عل ى القول بأن الاسلاميين وبمجرد وصولهم الى السلطة يتنكرون للآليات التي اوصلتهم وينقلبون عليها، فها هي تركيا في قبضة رئيس الوزراء اردوغان والرئيس غُل، وكلاهما لم ينقلب على الديموقراطية، لا بل ولا على العلمانية رغم جورها.
لكن حجاب «خير النساء غُل» زوجة الرئيس التركي سيثير الكثير من الجدل وقد يحلحل الأمور في تركيا التي تحظر الحجاب، فالسيدة الأولى الآن متحجبة، وهذا سيشكل دافعا قويا لكثير من النساء التركيات اللائي يعانين عدم قدرتهن على ممارسة حق إنساني مكفول وهو ارتداء ما يناسبهن من اللباس، وقد تكون بداية نهاية الحظر على الحجاب من هنا، من يدري. علمانية تركيا للأسف فيها الكثير من الجوانب الكاتبة للحريات، ونعقد الأمل ان يأتي التغيير سريعا.
وأما العلاقة مع الدول العربية والإسلامية، فترى حياة الياقوت انها ستكون مختلفة للمرة الأولى، فرئيس الدولة ورئيس الوزراء ذوي توجهات إسلامية، ولعلها تكون هذه فرصة لتعزيز وشائج التعاون دون عُقد مع الدول العربية والإسلامية، ولعل هذه ايضا تكون رسالة لبعض الدول العربية التي تحارب مظاهر التدين لدى شعوبها وتمنع النسوة من الحجاب، ولتكون موقنة ان صوت الشارع سيسود في النهاية.

http://www.alwasat.com.kw/Default.aspx?pageId=130&MgDid=19602