(وقت القراءة: 1 دقيقة)

 

الكاتب: حمد الناصر

تاريخ النشر: 3 نوفمبر، 2013

نشر في جريدة "الجريدة"، الأحد 3 نوفمبر 2013، صفحة 20.

رابط النسخة النصية من الجريدة  - رابط نسخة الـ PDF من الجريدة

 

«كاللولو» يوميات متأرجحة ترصدها حياة الياقوت


انبهرت برواية حياة الياقوت {كاللولو}، وأعتبرها إحدى أفضل الروايات الكويتية التي قرأتها في الفترة الأخيرة، لكن هل تفحصها ناقد أو مهتم؟ لا نعرف. أو هل حالفها الحظ لتكون ضمن قوائم الجوائز التي يعلن عنها هنا أو هناك؟ أيضا لا نعرف! لهذا قد يكون انبهارنا في محله فهي يوميات متأرجحة في عقد الثمانينيات.
الرواية صدرت عام 2012، عدد صفحاتها ما يقارب 271 صفحة مع غلاف جميل وصفّ مهني ممتاز. ولحياة الياقوت إصدارات أخرى يغلب عليها الطابع التربوي، كما تراءى لي من عناوينها.
 قد يقول قائل: لماذا هذا الانبهار؟ في الحقيقة الإعجاب ليس كونها رواية كويتية أو كونها من جيل الشباب، أنما للغة الجميلة التي كتبت بها، والتعبير الرصين، والمراجعة الدقيقة، وكذلك المضمون الفكري الراقي، لقد تأكد لي أن الكاتبة لم تكتبها في ليلة أو شهر أنما أخذت منها ما يقارب ثلاث سنوات، كما نوهت هي بالصفحة الأخيرة من هذا الإصدار.

هل ثمة مجاملة بحقها، اعتقد لا... أقدم فقرة من الرواية، في فصل {مواجهة سرمدية}، تدل على متانة العمل والتميز: {كعادتها تقف الكوبرا {سرمد} قرب المقصف، صرت لا أشتري منه، وأشيح ببصري كلما مررت بقربه، إذ يسوؤني أن أرى الممثلة الرسمية لفسطاط الشر تتقلد صولجان الفضيلة، وترعى حمى العدالة، وتنزل القصاص العادل}.
يدل هذا المقطع على رقي السرد في الرواية التي أهدتها الياقوت إلى الرفاق أبطال العمل أطفال الكويت وغيرهم، أطفال الثمانينيات، جاء في الإهداء: {إلى جيل الثمانينيات، إلى الذين نشأوا على مسحوق الكاوكاو، ومدهون الشوكولاتة، وقرمشوا ألواحها بأسنان تلمع كاللؤلؤ، أو كنت يوماً كذلك}.
تبين لنا أن بطلة الرواية ما هي إلا الطفلة خيال محمد جاسم الفكار، أو كما أطلقت على نفسها لقب لؤلؤ، تكتب مذكرات يومية من يوم دخولها الروضة وحتى إلى ... ترسم الكاتبة كل ملامح الثمانينيات في الكويت، وتدلل، بلا شك، على أن أغلب ذلك الجيل يملك ثقافة تلفزيونية، ومعظمها غربية أُخذت من مسلسلات الأطفال الكرتونية وغيرها، وهنا ترسم الكاتبة عمق تأثير التلفزيون على خيال الطفل العربي. لكن طالما لدينا إعجاب بهذا العمل فلدينا ملاحظات أيضاً.


رواية بمسارات

اعتمدت الكاتبة ثلاثة مسارات للرواية، لا اعتقد أن كاتب رواية غيرها اتّبعها، الأول هو مسار الطفلة خيال وهي تكتب يومياتها وترسم ملامح مجتمع، الثاني هو مسار خيال بابا جاسم الجد الذي كان يدوّن كتابات على أوراق منفصلة، الثالث ما كتب على أوراق عثرت عليها. لكن الأهم هو المسار الأول إذ كتبت اللؤلؤ ما تراه بعينها الصغيرة من مشاكسات زميلاتها بالفصل في المدرسة، وتخوفها من طبيب الأسنان وإبرته، أو ما أطلقت عليها {الانجكشن} وهو ما كان يرعبها وتهدد به الآخرين.
حين ترصد خيال يومياتها تكتب: {أعلم أنه أمر نادر أن يصطحب أب ابنته – لا ابنه – إلى المسجد، لكن فلنقل إن قدري كان مباركاً أو كنت محظوظة كما يحلو للبعض أن يقول ما شاء الله، أبي إنسان طيب ورائع، لكن لا يمكنني نسيان تلك الكذبة، لا يمكنني نسيان الروض المحروق، ذاكرتي الصلدة كبيت سلحفاة لا تريد أن تعتقني، إنها تستمتع بأسري}.
رصدت حياة الياقوت، بهذا العمل، كل مفردات الحياة اليومية لأطفال الكويت في الثمانينيات، من باربي إلى غرانديزر وتوم وجيري ومجلة سعد وافتح يا سمسم إلى يا متكتك الكأس لك، واستخدمت مصطلحات كويتية بحتة، واضطرت إلى التوغّل كثيراً بتفسيرها في الهوامش، مثلا تفسر كلمة الزهرات بأنها فريق الكشافة، وفي معرض الحديث تذكر أزمة سوق المناخ وكيف أثرى والد سرمد من السوق وتركه في الوقت المناسب، وتشير إلى الخيام، ولماذا تكون في وسط المناطق وليس في الصحراء، وعرفت أنها خيام انتخابات.

عيون وأذان تراقب
             
تتطرّق الكاتبة إلى حب أطلقنا عليه {الحب الصامت}، قد يعيشه البعض، ولا يعلم به أحد، ويبقى مسجلاً في الذاكرة، إلا أن خيال الطفلة تراقب هذا الحب عن كثب وتعيشه يوماً بيوم، كان حباً صامتاً بين والدها محمد والدكتورة استقلال اليافع أم دنى، صديقتها في الفصل، كانت تراقب والدها وهو يتحدث مع الدكتورة عند نهاية اليوم الدراسي، يتكلمان ويتهامسان ولا تعرف ما يحدث بينهما، إلا أنها تشعر أن ثمة وداً بينهما، فلماذا يتكلمان بصوت منخفض!
المراقبة الدقيقة لخيال قادت إلى نتيجة في نهاية المطاف، لم تكن تتوقعها رغم أنها مؤلمة وهي المغادرة! تعاملت الكاتبة مع ذلك المشهد بذكاء حاد، قد تجعل القارئ يقع في دهشة النهاية التي لم يتوقعها بتاتاً، عن ذلك الحب الصامت، فقرة من الرواية تثير شكوك اللؤلؤ: {ذات مرة، أحضرت دنى ابنة الدكتورة استقلال معها مقلمة قالت إن أمها اشترتها لها حين سافرت إلى ألمانيا، الغريب أن أبي كان مسافراً في الوقت ذاته!} لهذا تؤكد الكاتبة أن للأطفال عيوناً وأذاناً تراقب.
نعود إلى مذكرات الجد ( بابا جاسم )، كتب في 15 يونيو 1982 التالي: {يكتب الناس على الحوائط العامة، وعلى أبواب الحمامات، وعلى أعمدة النور، لا لقلة الأوراق، بل لأن هذا ممنوع!} وكتب بابا جاسم في ورقة أخرى: {لذذوا الصلاة في أعين وأفواه أطفالكم، واضربوهم عليها لعشر، لكن هل أمرتموهم عليها لسبع قبل أن تفعلوا ما أمركم رسولنا...} ونوه بابا جاسم بأنه أرسل ما كتب إلى صحف ومجلات ولكن كتاباته لم تنشر.
وتلاحق لولو غريمتها سرمد حتى آخر الرواية وتكتب بعد تخرجها: {عزيزتي سرمد أينما كنت، وكيفما صرت، ومهما بلغت من الصلف عتياً، الوشاة والأشرار كمثل الأحذية المخدوعة، تظن أنها كائنات مهمة تسير أصحابها وتوجه مصائرهم}.
رأي متابع
{كاللؤلؤ} رواية جميلة بلا أدنى شك، وعمل متعوب عليه، وتستحق أن تحتل المراكز الأولى في أي جوائز ثقافية... لكن هل فازت أم لا...لا أعرف، أما ملاحظاتنا بشأن هذا العمل، وإن كانت مجرد رأي فلا تخلّ بالمضمون، ومن أهم تلك النقاط:
 هل تحتاج الرواية إلى مقدمة أو مقدمات؟ اعتقد لا، فالروايات والأعمال الإبداعية يفترض أن تقدم نفسها للمتلقي. أمر آخر، ملاحظ أن ثمة توسعاً كبيراً في تفسير الهوامش، لو تم تقليلها لكان أفضل، رغم أنه ضروري في كثير من الحالات للقارئ غير الخليجي.
كذلك نعتقد أن الفصل الخامس المعنون {ريح السموم} يفترض عدم إقحامه بالرواية، وكان الأفضل أن تنتهي الرواية بنهاية الفصل الرابع، بإمكان هذا الفصل أن يكون رواية بمفردها كونه يمثل مرحلة زمنية مختلفة عن عقد الثمانينيات، كذلك قد تكون عدة مسارات في رواية واحدة مربكة للقارئ.
 ما نعرضه عبر هذه السطور هو رأي خاص بعد الانجذاب نحو رواية تستحق أن يفخر بها الإبداع الكويتي وتسجل لصالحه، على أمل أن تستمر حياة الياقوت في مسيرتها مع القلم لتحقق انجازات أخرى تكون إضافة للإبداع الكويتي.