(وقت القراءة: 1 دقيقة)

alrai 8may2023(نُشرت في جريدة الراي، عدد الاثنين 8 مايو 2023، صفحة 15.)

في الشرق أو الغرب، لا بد أن يُثار النقْع بين الفينة والأخرى على أمر متعلق بالحجاب. أقامت مؤخرا إحدى المدارس في الكويت حفل تكريم لطالباتها اللاتي ارتدين الحجاب؛ ارتدينه بقرار منهن ومن ذويهن. وحفلات التكريم نشاط مدرسي معتاد، يُقام لأمور متعلقة بالمنهج الدراسي، أو الأنشطة اللاصفية، أو الإنجازات، أو السلوك الطيب المحمود. وحينما نشر أحد الحسابات الإخبارية مقطعا لحفل التكريم، ثارت الثوائر، وانهمرت التعليقات والتغريدات تندد بهذا التكريم، حتى أن بضع جمعيات أصدرت بيانا مشتركا تستنكر فيه التكريم. ادعى المعترضون أن هذا التكريم يقع في إطار التمييز والتفرقة، ويؤذي مشاعر الطالبة غير المتحجبة!

يمكنني أن أمضي وقتا طويلا جدا في تبيان تهافت هذه الحجة، وفي سرد أمثلة على حفلات تكريم تقيمها المدارس ويمكن -بالمنطق الذي استندوا إليه- وصمها بإنها تمييزية، فقدرة الإنسان على شيطنة ما لا يهوى لا حدّ لها. فيمكنني مثلا أن أستخدم المنطق ذاته لأنافح عن شعور مَن لم يشملها تكريم المتفوقات رغم أنه كان بينها وبينه درجة واحدة. ويمكنني أن أنتصر لتلك التي يجرح مشاعرها تكريم قسم التربية الفنية للطالبات الماهرات في الرسم، فالرسم موهبة ربانية لم تحظ بها دون ذنب منها. بل يمكنني أن أتظارف وأطالب بمنع تكريم لاعبات فريق كرة السلة المعروف عنهن طول القامة، لأن هذا يجرح مشاعر قصيرات ومتوسطات القامة اللاتي لا يمكنهن المشاركة لأسباب خارجة عن إرادتهن!

ماذا لو قرر قسم التربية الإسلامية في مدرسة ما تكريم الطلبة الذين حفظوا أجزاء من القرآن الكريم؟ أو الذين حرصوا على صلاة الجماعة في مسجد المدرسة؟ أو الذين صاموا رمضان لأول مرة؟ هل سنجد اعتراضات شبيهة؟ أليست هذه نشاطات تحث عليها المناهج الدراسية للتربية الإسلامية في مدارس الكويت؟ أليست هذه تطبيقات عملية تربوية، ونحن الذين نطالب -ليل نهار- بالربط بين المناهج والواقع؟

حاجج البعض بأن الأعمال الدينية جزاؤها أخروي، ولا يجوز ربطها بحوافز دنيوية. وهذه حجة داحضة لو اتبعها الناس، لما أمكنهم أن يربوا صغارهم على شأن من شؤون الدين. ثم إن الدولة اعتادت على رعاية الإنجازات الدينية وتكريمها. فبرعاية من سمو أمير البلاد حفظه الله تُقام كل عام جائزة الكويت الدولية لحفظ القرآن الكريم، فهل سنسمع من أصحاب هذا المنطق مطالبات بإلغائها؟

بعد التمعن، يبدو أن جوهر مثل هذه الاعتراضات لا ينطلق من موضوع التمييز والتفرقة، بل ينطلق تحديدا من كون ما يعترضون عليه متعلقا بشأن ديني ظهر في الفضاء العلني العام. نستشف هذا حينما نلاحظ أن عددا من المعترضين ذكر صراحة "الدولة المدنية"، وهو اسم ملطّف وغير تصادمي للدولة العلمانية. ويبدو أن المعترضين تغافلوا عن أن الدستور الكويتي في يقول مادته الثانية: "دين الدولة الإسلام، والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع"، الدستور الذي يعلو على أي قانون، أو لائحة، أو اتفاقية.

الظاهر أن هذه الانتفاضة ليست غيرةً على قلوب الصغيرات اللاتي حُوّلن إلى "مخلب قط"، بل هي اعتراض على وجود مظاهر الدين في دائرة الضوء والثناء. هذه انتفاضة تمهد لعلمنة مؤسسات الدولة بطريقة ناعمة. الأصل في الحجاب أن يحجب ويغطي، لكنه هذه المرة -ويا للمفارقة- كشف لنا الكثير!

نسخة نصية من المقالة من موقع جريدة الراي || نسخة PDF من المقالة