(وقت القراءة: 1 دقيقة)

qati3 5nov2023(نُشرت في جريدة الراي، عدد الأحد 5 نوفمبر 2023، صفحة 19.)

لو لم أرَ بعينيّ، لما صدقت. ثمة انتفاضة استهلاكية تشهدها الكويت تفاعلا مع حملة مقاطعة الشركات المتعاطفة مع الكيان الصهيوني. ونجد البعض قد توسع في الحملة وبالغ حتى صارت تطال كل ما هو أجنبي حتى ولو لم يتبين دعمه للكيان الصهيوني، وهي خطوة تبين أن سخط الناس قد بلغ مداه.

في المقابل، نسمع أصواتا تثبّط عن المقاطعة بحجج مختلفة أهمها الضرر الواقع على التاجر أو الوكيل المحلي. نعم، نعلم أن التاجر الكويتي هو من يتلقى الضربة الأولى، وهذا ضرر لا نوده لكننا نُضطر إليه. حينما يقاطع المستهلك فهو عمليا يلوي ذراع الوكيل المحلي، ليضغط بدوره على الشركة الأم التي ما حركتها إنسانيتها، لكن قد يحركها احتمال فقدانها لوكيلها المحلي وما يردها من أرباح منه. ما يحدث للتاجر المحلي "أضرار جانبية" إذا جاز التعبير، والتجارة نشاط محفوف بالمخاطرة، هذا ديدنه.

(وقت القراءة: 1 دقيقة)

mediadinar page19 small(نُشرت في جريدة الراي، عدد الثلاثاء 24 أكتوبر 2023، صفحة 19.)

ما أصعبَ أن يقدر الإنسان على كبح جماح مشاعره في هذه الأيام! أمّا مَن يقابل ما يحدث في غزة بقلب بارد أو فم صامت، فعليه أن يعيد النظر في انتمائه للجنس البشري ما دامت الصورة الكاملة قد وصلت إليه. وهذا أمر لا يتحقق دائما، فثمة فجوة بين الشارع العربي والإسلامي الذي يعرف القصة كاملة، و"الشارع الآخر" إذا جاز التعبير. وأزعم أن وصول الصورة الكاملة إلى "الشارع الآخر" سيُحدث انعطافة فارقة. والسؤال، كيف نُحدث هذه الانعطافة؟

منذ بداية عملية طوفان الأقصى، تتخذ الكويت دورا قياديا واضحا وجَسورا على المستويين الحكومي والشعبي، دورا تثبت فيه الكويت أنها -على مر العقود- داعم أصيل للحق الفلسطيني. لكن، من الواضح أن سقف جموح الشارع أعلى من خطط الحكومة. فقد سمعنا في الأيام الفائتة في ساحة الإرادة في الكويت هُتافات تطالب بفتح الحدود، وأخرى تنادي بقطع النفط، وبسحب الاستثمارات الكويتية من الصناديق العاملة في الدول العظمى، وطرد سفراء تلك الدول. الشارع يغلي، في حين أن الحكومة -تفضل ردات فعل محسوبة العواقب. وبين هاتين الإرادتين، علينا أن نبحث عن منطقة وسطى، منطقةٍ يمكننا فيها إحداث التأثير. فنحن نتفق على الهدف، لكننا نختلف على الآلية.

(وقت القراءة: 1 دقيقة)

macaron small

(نُشرت في جريدة الراي، عدد 27 أكتوبر 2020، صفحة 23)

(اضغط هنا للاستماع للمقالة صوتيا على SoundCloud)

أتذكر من طفولتي أن شوكولاتة "فْليك" (وبعض المنتجات الأخرى أيضا) كانت شيئا ثمينا جدا، يُجلب للأحباب "صوغةً" حين القفول من السفر. تلك كانت مقاطعة رسمية حكومية تمنع دخول منتجات الشركات التي لها صلة مع الكيان الصهيوني. وحدث ما نعرفه جميعا: "كل ممنوع مرغوب"، ولقت هذه المنتجات رواجا عظيما. وهذا درس ثمين في فن المقاطعة: المبادرة يجب أن تبدأ من الجماهير، من قاعدة الهرم لا أعلاه.

كبرنا، وجاءت في 2005 أزمة "يولاندس بوستن" التي نشرت رسوما مسيئة للنبي -عليه الصلاة السلام- وأعادت مطبوعات أوربية أخرى نشرها تضامنا معها. فكانت نتيجتها مقاطعة شعبية كاسحة، ومظاهرات غاضبة، وأعمال عنف، بالإضافة إلى تصريحات رسمية شديدة اللهجة. اعتذرت الصحيفة اعتذارا مواربا. هدأت السَوْرة مع الوقت، وعدنا نستهلك الزبدة الدنماركية وكريمات الفيوسيدين!

***

ها هي فرنسا تتنكر لقيم ثورتها (حرية، إخاء، مساواة)، وتخبر المسلمين على مدى سنوات أن حريتها استنسابية، وأن الإخاء نادٍ حصري، وأن المساواة مسألة فيها نظر، تناكفهم على الحجاب والنقاب، تسمح لـ"شارلي ايبدو" سيئة الذكر أن تستسخر من نبيهم برسومها. وتظل فرنسا تستغضب المسلمين إلى أن يأتي فتى مسلم ويتهور ويردي مدرّسا عرض الرسوم المسيئة للنبي -عليه الصلاة والسلام- لطلبته في درس تاريخ. ونحن قطعا لا نقرّ ما فعل الفتى ولا نشجع، لكن لا يجوز أن نغفل السياق الذي حدث فيه ما حدث. يخرج الرئيس الفرنسي مكابرا معلنا استمساكه بالرسوم المسيئة، ويصف هذه الحادثة الفردية بأنها "هجوم إرهابي إسلامي". ثم يأتي وزير الداخلية الفرنسي ويمعن في أذية مشاعر المسلمين فيقول إنه منزعج من وجود المنتجات الحلال في المحلات.

ماذا نفعل إزاء هذا؟ لا خيار سوى المقاطعة. وعلينا أن نعي أن المقاطعة الاقتصادية ليست وسيلة ضغط بالضرورة، لذا علينا ألّا نتوقع أن ينهار الاقتصاد الفرنسي جرّاءها مثلا، أو حتى يتأثر بشدة، فلنكن واقعيين. المقاطعة وسيلة امتعاض، هي أداة إعلامية تستخدمها الشعوب لتوصل رسالة مفادها إنّ مشاعرها جُرحت، وأنّ تكرار ما حدث غير مقبول. المقاطعة وسيلة تحتاج نفسا طويلا، ونتائجها الآنية صعبة القياس، كما أنّ ذاكرة الناس ضعيفة، والمثبطون من بني جلدتنا موجودون. لكنها -صدقوني- مجدية. وحتى لو لم تكن ذات جدوى، هي وسيلتنا الوحيدة المتاحة لإنكار ما حصل؛ ننكر بقلوبنا، وبألسنتنا، وبمقاطعتنا.

آخر ما نتمناه إلحاق الخسارة بالتاجر المحلي الذي صادف أنه يستورد بضاعة فرنسية أو يملك وكالتها. ونتفهم أن بعضهم مضطر للاستمرار في بيعها نتيجة عقود ملزمة. لكننا في المقابل نتوقع منه أن يراسل الشركة الأم لإخبارها بأمر المقاطعة الجارية التي قد تؤثر على طالبته المستقبلية من البضاعة. هذا كل ما نريد.

وستظل المقاطعة ردة فعل عاطفية غاضبة، إلى أن تتبناها جهة تتمكن من تجييرها لتتحول إلى ثمرة تشريعية. وقرأت مقترحا لأحد الزملاء يقترح أن تفضي المقاطعة إلى إصدار قانون تجريم الإسلاموفوبيا على غرار قانون تجريم معاداة السامية. وهذا نضال يقوم به مسلمو فرنسا، ولهم منا نصرتهم بالمقاطعة، هذا وُسعنا.

للمقاطعة جناح آخر نغفل عنه، جناح وازن. كل هذه الضجة التي ستثيرها المقاطعة ستثير دون شك فضول الكثيرين حول العالم. من محمد هذا؟ ولماذا يحبه أتباعه إلى هذا الحد؟ سيتساءلون عن الإسلام، وعن مدى دقة ما يظهر عنه في وسائل إعلامهم. بعضهم قد يمضي في رحلته ذاتيا، لكن بعضهم الآخر سيحتاج أن نتوجه إليه. هذه فرصة مواتية أتتنا من حيث لا نحتسب لنعرّف العالم بديننا وبنبينا. هذا أوان إنتاج الأفلام، والوثائقيات، والمقالات، والكتب. هذا أوان أن نصلي على النبي بكل اللغات، وبكل السبل.  

وإلى أن يحدث كل هذا، سنتوقف عن لزوم عطور فرنسا، وسنحجم عن شراء حقائبهم الثمينة ومجوهراتهم الفاخرة، وسنحمي أنفسنا عن أجبانهم بأنواعها الـ246 (والرقم على ذمة دوغول)، وسنمتنع عن تناول الماكارون الفرنسي الشهير. نعم، رحلة الانتصار لمعتقداتنا قد تبدأ بأمر بسيط كالامتناع عن قرص ماكارون ملون شهيّ.

نسخة نصيّة من المقالة من موقع "الراي"  || نسخة PDF من المقالة

 

(وقت القراءة: 1 دقيقة)

"... كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله ..."
هكذا يقول رب العزّة في كتابه العزيز، وهكذا يسجلّ التاريخ في "بدر"، وفي "الخندق" وفي غيرهما.
لكن أليس لافتا أن "الفئة القليلة" التي انتصرت –ميدانيا لا أخلاقيا- هم اليهود لا نحن! ألا يستدعي هذا التفكير؟ ألا يستجدي هذا البحث في الأسباب؟ وأنا هنا لا أتكلم عن أداء المقاومة في أحداث غزة الأخيرة، بل أستقرئ تاريخ صراعنا مع الصهاينة.

(وقت القراءة: 1 دقيقة)

(1) هوس التنسيء
لا يستهوني كثيرا الهوس بـ"تنسيء" كل شيء حولنا. فهذا أدب نسوي، وتلك فعالية نسائية، وذلكم إبداع نسواني، وهنالك ابتكار حوّائي، وكأن النساء في حرب مزمنة مع الرجال لا يرجى البُرء منها أبدا، وبناء على ذلك عليهن التكتل والتمترس والتحصن وإنشاء نسخة نسائية من كل شيء. ولا يشترط في هذه النسخة أن تضاهئ النسخة الرجالية جودة، بل يكفيها أنها نسائية، فهذا بحد ذاته إنجاز، بل وربما عند البعض إعجاز!

(وقت القراءة: 1 دقيقة)
حين يصير التصويت قتلا
أثناء الحروب غير النبيلة يشيع ما يسمى بـ"القتل على الهويّة" حيث تكون هوية الشخص وانتماؤه سببا كافيا لقتله. أما في الحراكات السياسية النبيلة فلا يجوز أن نستنسخ المبدأ ذاته، فما أراه طوال هذه السنوات هو أننا ننزع للتصويت على الحميّة.
(وقت القراءة: 1 دقيقة)


1. المسلّمات أم الإنجازات؟


يسألونني "ألا تحتلفين بقرب مرور شهرين على ذكرى مايو وقد أسقمتنا بمقالاتك ونقيقك حول حقوق المرأة السياسية؟"

أقول، هل نحتفل بالمسلمّات أم بالإنجازات؟ هل نحتفل لأن حقًا مؤجلا جاء أخيرًا بعد طول انتظار أم نحتفل لأن انجازًا برز من هذا الحق ولأن مسؤولية حُملت كما ينبغي؟
(وقت القراءة: 1 دقيقة)
يبدو أن هذين الرجلين يتشابهان جدا و ان اختلفا احيانا. فاولهما ممثل بحق في حين ان الاخر امضى الكثير في تعلم كيفية التمثيل او الاداء الجيد على الاقل. اولهما نجم "كاوبوي" سينمائي في حين أن الآخر يهوى التصرف على طريقتهم و تفكيرهم ايضا و لكن سياسيا هذه المرة .
(وقت القراءة: 1 دقيقة)

 

فلسطين لا تحتاج الى "نقيقنا " و تبرمنا على ما نرى بعين الام و بابيها ، و لا هي  تحتاج الى القاء كل اللوم على امريكا و التسلي بنظريات المؤامرة . فلسطين تحتاج منا – ان القينا السمع و نحن شهداء- ان نؤدي فرض العين الواجب على كل من آمن بالله : الجهاد .

اما عن "جهاد الميدان" فهنالك من يبلي فيه بلاء حسنا و يشق طريقة للجنان و يحتاج منا الدعم الدُعائي )بضم الدال ) والمادي. المشكلة كل المشكلة انه و على  الجانب الاخر من العالم هنالك من يرقب ، يصور و يعرض ما يحدث على انه مصنع للارعاب .

الاستحقاق الواجب علينا هنا هو ان نقوم ب"جهاد اللسان" ، بكلمة حق عند "سلطان رابع" جائر و امام اعلام  اعور مستنسب.

"الآخر" لن يتعطف و يتلطف و يتعلم لغتنا ليسمع الى نظرتنا فهنالك من يقوم بالمهمة عنه ، من يضع له الكذبة في الاذن  و القناعة في العقل . ما نحتاجه بسيط ، و بُحَّ صوت الكثيرين في الدعوة اليه : فضائية تبث بالانجليزية مبدئيا و ربما مستقبلا بلغات اخرى تقدم التحليل السياسي بطريقة عقلانية ، مقنعة ،و موضوعية دون تشنج ، و تقدم الخبر معززا بالصورة ، و تقدم تصحيح الفكرة مدعما بالحقيقة ، هنا يمكننا ان نلوم الاخر ان اصابه الرهاب منا .

الحجة المكرورة هي عدم توافر الدعم المالي للقناة . و الحل بسيط ، لم لا تعمل الفضائية على هيئة المدارس و الهيئات غير الهادفة للربح ؟ لم لا توظف المتطوعين من الشباب المتعطش لعمل شئ و انا اول من سيتقدم ؟

لم لا يكون اسم القناة "قناة الجهاد " و هم اسم سيعمل على امرين : اثارة فضول المتابع ، و ابراز كل القوالب الذهنية عن الجهاد الى السطح ليفاجئ بان هذة القناة عمل اعلامي متقن ، عقلاني ، له رسالة لكشف الحقيقة لا الربح ، فهذة قناة مختلفة عن بقية القنوات ، و هي اكثرهن استقلالا . ها ستحدث عملية تسمى  Disillusionment او التحرر من الوهم ، فيغدو المشاهد اكثر وعيا، تفتحا و تقبلا .

هذا ما سينقلنا من ممارسي ثقافة الضحية الى ثقافة المبادر و المغيِّر بدل الانسحاب و التبرم . هنا صفادع المستنقعات هي من سيتحول الى النقيق . جهزوا سدادات الاذن او ابحثوا لهم عن اميرات!

نشرت في مجلة الاتحاد، العدد 195، ديسمبر 2002.

(وقت القراءة: 1 دقيقة)

(ان اصبحت احدى النساء نائبة. )  "اي عضوا في البرلمان رغم ان المناصب لا تؤنث." ( فتلك نائبة. ) " و هي احدى الكلمات التي تعني مصيبة بالعربية"  .

هكذا يعلق احدهم على الموضوع و هذا رأيه المُعْلِم غير المُلْزِم . لكن المشكلة هي ساعة تطلب منه توضيحا فيقول " انهن ناقصات عقل و دين و لا تجوز لهن الولاية و فوق ذلك البرلمانات تحتوى على مخالفات شرعية عديدة يجب الا يزج الى المرأة بها ". هذا القول بامكانه ان يكون رأيا شخصيا يحتمل الصواب و الخطأ و له الحق ان يعيش في فضاء الفكر  لولا التبرير الديني بالاستدلال غير السليم الذي يتبعه. لا اعرف سر توّلع البعض بخلع رداء الدين على الموروث الذي يعارض الشريعة ، و لا اعرف ايضا سر تولع البعض بلي عنق النص الديني كي يناسب ما كمن في اللاشعور الجمعي .

فلسفة الحق السياسي – تصويتا و ترشيحا - ابسط من ان نختلف حولها ، هي حق للانسان الراشد العاقل ، و حرمان المرأة منها اما ان يعني انها غير راشدة و اما ان يعني انها غير عاقلة او اقل عقلا و هو لي لمعني الحديث الشريف و ابتسار لسياقه و عدم تفريق بين سلامة العقل sanity  ، وبين المقدرة العقلية caliber  ، و بين العقلانية rationality . و الثالثة – اي العقلانية- هي المقصودة في الحديث و هي سبب ان شهادة امرأتين تعدل شهادة رجل في بعض المسائل، فذلك ليس لان النساء اغبى او اقل مقدرة في التفكير،  بل بسبب العقلانية حيث تغلب العاطفة لدي الكثيرات منهن . الجيد في الامر ان العقلانية ليست شرطا للمشاركة السياسية . هذا على افتراض اسوأ الحالات و هي ان كل النساء عاطفيات و متسرعات و هو امر لا يصح منطقا ، هذا فضلا على ان المنطق لا يمنع وجود رجال يغلب عليهم التسرع و الغضب اكثر من غلبة العقلانية عليهم . اذا لم يبق سوى ثالثة الاثافي و هي  التحجج بان النساء لا ينتمين الى الجنس البشري ، و ليسامح الله من يعتقد بذلك !

هنا يطرح التساؤل نفسه: هل المقعد البرلماني من الولايات ؟ بل هو منصب تمثيلي و ليس ولاياتياً ، كمندوب ينوب عنك فهل يعني ذلك ان للمندوب سلطة عليك الا بقدر ما فوضته انت ؟ هذا على اعتبار اننا نتكلم عن مؤسسات محكومة بقواعد لا عن افراد اتوقراطيين يتصرفون كما بدا لهم و في هذة الحالة -  اي الاتوقراطية الفردية – يكون عمل الرجل البرلماني ايضا محرما!

مؤسف ان يكون حراما على الاناث برلمانهم حلال للذكور من الانس ! فالتحجج بان البرلمان  يحوى مخالفات شرعية يعني امرين لا ثالث لهما . اما ان ننهج حلا انسحابيا سلبيا بالابتعاد عنه و هذا يشمل حكماً الرجال و النساء على حد سواء و ليترجل بعيدا عن البرلمان إذاً من كان يرى ذلك . و اما ان نقرر ان نخوض التجربة و ان نصلح ما هو قائم و هذا يتطلب منا تحمل المسؤولية التعبدية و الاستخلافية لا فرق بين ذكر و انثى في ذلك فالحضارة و التنمية لا تحْجِلان و لايمكن ليد واحدة الا ان تصفع لا ان تصفق او تنتج .

الاستحقاق الاصعب امامنا هو مسؤولية مشتركة ، و تضييع الوقت و الجهد في الشرعنة للوضع القائم المخالف للدين لا يعني ان الصحيح لن يصح في يوم ما .

(وقت القراءة: 1 دقيقة)


شئنا ام ابينا ، بأوتارنا المقطوعة او المُرَمَمة ، تظل العولمة قائمة رغم ما تتلقاه من وصوم . فهي تارة "فخ" و "اعتداء على الرفاهية و الديموقراطية" كما يسميها "هانس بيتر مارتن " و "هارالد شومان " في كتابهما" فخ العولمة "، و هي تكريس لمؤامرة الغرب ضد الشرق كما يروق لبعض العرب تفسيرها تارة اخرى ،عدا عن عداء "اللاضيين" Luddites لها كونها تحمل التكنولوجيا كاحد قيمها المفصلية .

لفهم العولمة لا نحتاج الى "منطق القوة" بل الى "قوة المنطق " .فالعولمة ليست نبتا شيطانيا برز من دون مقدمات ، بل هي محصلة تراكمات ثقافية و مراحل تاريخية و تقلبات حضارية صاغت الوضع على ما هو عليه الان. فالبشرية آنست الثورة الزراعية ، فالثورة الصناعية التى مثلما حملت بذور الالم و المعاناة ، حملت كذلك بذور التقدم ،ولابد لكل مرحلة في التاريخ من مثالب هي ضريبة ذلكم التقدم . تبع ذلك ثورة المعلومات التي بدأت في السبعينات من القرن الفائت و تشابكت المؤثرات و اعتملت فرسمت الصورة الراهنة .

 

عالم ما بعد برلين

و يبدو ان مرور العالم باطوار سياسية-حضارية معينة فرض السيادة -بدرجة او باخرى و بشكل او بآخر - للولايات المتحدة . فبعد انتهاء الحرب الباردة و تفكيك الاتحاد السوفييتي من خلال ال Peristrioka و الGlasnost تحول النظام العالمي من نظام ثنائى القطب Bi- polar Order الى اخر احادي القطب Uni-polar Order و اندثرت الحرب الباردة و مفاهيمها الى غير رجعة حيث سقطت الانظمة الشمولية مرة و إلى الابد كما سقط حائط برلين ليغدو عمر العالم "الجديد" احدى عشرة سنة.


العولمة سياسيا قد لا تعني توحيد العالم تحت نظام أحادى الاتجاه ،بقدر ما تعني يعني إشاعة الديموقراطية التفاعلية وتفعيل حقوق الإنسان و التعددية و تداول السلطة الفعلي و احياء المجتمعات المحلية و المجتمع المدني Civic Society على حساب تقليص مركزية الدولة و بروز دور بعض المنظمات مثل Amnesty و , Human Rights Watch .البعض يطرح فكرة -قد تبدو طوباوية لانشاء الحكومة العالمية W.W.G World Wide Government و يرون في الامم المتحدة خطوة مبدئية ملائمة ، في حين يتمسك البعض الاخر بأحقية الرفض تحت ذريعة حماية الخصوصية على الاقل ; فلو افترضنا اننا قبلنا بسلطة موحدة فان مفهوم الديموقراطية مثلا سيتفاوت بين الأطراف تبعا للخصوصيات الثقافية ، التاريخية ، الاجتماعية ، و المفاعيل الاقتصادية ، مما يعود بنا لنقطة البدء و المربع الاول .

 

 

 

هل تعود "البرافدا "

 

 

 

ثقافيا ،ظهرت مؤسسات عدة تكرس سيطرة الولايات المتحدة من خلال الامبراطوريات الاعلامية و شيوع الانجليزية .الذراع الثقافي للعولمة يعد من اكثر اذرعتها اثارة للجدل والاستفهام حيث يتم تأويله على انه هيمنة ثقافية ذات أبعاد استعمارية لان العولمة الثقافية تدل على اشاعة ثقافة عالميه موحدة الاراء الى حد ما مما يحوي على انماط فكرية محدودة ومقولبة تغتال الخصوصية والفردية المميزة لكل حضارة ومجتمع ، ولعل هذا يذكر بصحيفة (البرافدا ) السوفييتية التي كانت تلقن كل السوفييت ما يجب ان يقولوه أو يعتقدوا به مما يشكل استغلالا عقليا وغسيلا للمخ . فهل يعني هذا البعد من العولمة غسيل المخ ؟من يدري ! لكن علينا الا ننسى ان الوعاء الثقافي للعولمة يعني عند البعض انتشار التعليم وشيوع الفكر التعددي -لا الأحادي- وفتح الاقنية الحوارية و صياغة ثقافة كونية متفاهمة ،متسامحة ،متقاربة،لا موحدة القيم و المعايير ،مما لا يعني دوما ( التعليب العقلي ) و التنميط Stereotyping و الهيمنة .

"الفاعول" !

عالم العولمة التكنولوجي لا تهم فيه حصة الفرد من الدخل القومي Per capita income بقدر ما تهم فيه حصته من ال "بايتات "Bytes . انه عالم الاسرع و ليس فقط الاحدث ، انه عصر يحل محل عصر "من يملك و من لا يملك " ليكون عصر " من يعرف و من لا يعرف " و "من يسرع و من لا يسرع" . عالم بدأت الكتب فيه تتحول إلى صيغة ال E-book (الكتب الالكترونية )، و اخذت
الE-zines او المجلات الإلكترونية تتدافع لتحرم وسائل النشر التقليدية من الكثير.

 

 

 

العالم كله يقبع بعد نقطة Dot ، و ما هي ال ضربات ُتسْكِنُها في لوحة المفاتيح حتى يكون العالم تحت يديك : بكثير و غزير من المعلومات و قليل من السرية ايضا ! هذا اذا كنت ممن يملكون "حاسوبا " مؤهلا للالفية الجديدة . هل قلت "حاسوب "؟ حسب تجربتي، فانه يفعل اكثر من مجرد الحساب – فلماذا لا يسمونه "فاعولا" طالما انه يفعل العديد من الاشياء ؟ -فكان الحل ان نستورد الكلمة : Computer ،و برمجية فضلنا عليهاSoftware و للعتاد كلمة hardware طالما اننا لا نصنع ايا منها . السؤال المبرر: هل تطعيم اللغة بكلمات ليست من جنسها توسيع لها ام اتهام لها -او لاهلها بالاخص- بعدم الابداع وافتقاد المرونة؟

قطط مخططة لا نمور

 



الذراع الاقتصادي للعولمة ينادي بحرية التعامل المالي و التجاري وفتح الأسواق تحت مظلة الرأسمالية ، بيد ان هذا يعني ان أي تعثر في أحد الأسواق يقود بالضرورة لتعثر في السوق العالمي ، فالازمة في اسيا التي حولت نمورها إلى "قطط مخططة " انتقلت لروسيا لتجمد الروبل الروسي و الدب "اليلتسني " .

في اقتصاد العولمة ،نجد الشركات متعددة الجنسيات Multi-national Corporations MNC ، و المؤسسات الاقتصادية الكبرى مثل صندوق النقد الدولي I.M.F و البنك الدولي World Bank و منظمة التجارة العالمية World Trade Organization كنتاج لاتفاقات الGATT . كما ان الكيانات الاقتصادية مثل ال NAFTA لامريكا الشمالية و ال MERCOSUL في بعض دول امريكا الجنوبية ،و ال APEC في آسيا، و نجاح الاتحاد الاوربيEU في توحيد السياسيات الاقتصادية لدرجة العملة الموحدة الEURO ينذر بتقارب سياسي مبنى على اسس اقتصادية .

 

 

 

انها على دين من يطعمها

 

 

 

الواقع و التاريخ يشرحان الامر كله .فعند تفوق المسلمين كانت الغلبة لثقافتهم و دينهم و لغتهم فظهر ما يسمى ب Pax Islamica او (السلام الاسلامي) . و عندما مدت الامبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس اذرعتها ظهر السلام البريطاني Pax Britannica ، اما في هذه المرحلة من التاريخ يظهر السلام الامريكي Pax Americana و الامركة Americanization الذي ينظر اليه البعض كتهديد للاسلام ،كما انه يضع نفسه في ذلك الاطار من خلال الممارسات التي تدل على "الاسلاموفوبيا " Islamophobia بنظره للاسلام على انه خصم لا شريك،خاصة ً اذا استعاد ابناؤه عافيتهم . المسلمون و العرب بدورهم جابهوا ذلك بال "وستوفوبيا " Wesotphobia و كأن الطرفان اتفقا على "الرُهَاب" من بعضهما البعض .

عالمنا يزداد فيه "الاعتماد المتبادل" Interdependence ،و في ذات الوقت تزداد الهوة بين شمال العالم و جنوبه. عالم قد يبدو احادي الثقافة الا انه في واقع الامر مختلطها بمثل تنوع الدولة القائدة للعولمة التي حاولت ان تكون بوتقة صهر melting pot فكان عنصر التعددية "المحكمة " و المقيدة بشكل او باخر. في عالم اليوم الكل يعرف البيتزا الايطالية و يأكلها و لكن بمطاعم امريكية و موسيقى امريكية و تتبيلات امريكية . الBigMac Theory التي خرج بها البعض و التي ترى ان ال Big Mac يسعى لان يكون الوجبة المثلى لكل العالم -ماعدا النباتيين او اشباه النباتيين امثالي- يُبرِز مسالة "الكوكلة " و "البرغرة" Cocalization and burgerization إلى السطح مضيفا اياها إلى القاموس اللغوي المتسع للعولمة.

 

التسطيح القائم محير . فمن الخطأ ان ينظر الى العولمة على انها اجتياحمؤامراتي ، ينصر ثقافة ضد ثقافة بل هي نتيجة موضوعية لا دخل لها بلي اعناق الامور لتسيير الاوضاع الراهنة لصالح الاقوى و الادهى و ليس الاكثر عدديا او الاعتى ثقافيا . ثم من قال ان العولمة امريكية ؟ العولمة على "دين" من يطعمها ; على "دين" من ينتج و يبدع و يندفعلنشر منتوجه التكنولوجي و معه قيمه الثقافية.

صناع جبنة "بوفور" الفرنسية التقليدية التي يستغرق صنعا بين ستة اشهر و سنة يراقبون العولمة بحذر، بينما يحذر بابا الفاتيكان من ان العولمة استعمار جديد ، في حين يعقد مؤتمر عالمي لمحاربة الفساد في لاهاي . كلها عناوين تبرز التناقض بين ما هو محلي و ما هو عالمي ، بين الخوف و الاندماج ، بين الشرنقةCocooning و الانعتاق منها، و بين الدور الذي يمارسه البعض و "اللادور" الذي يمارسه البعض الاخر امام "مارد خرج من قمقمه " كما يراه "رالف نادر". وفي عالم يعيش ثلثا سكانه في دول نامية او متخلفة ،و يموت فيه سنويا ثلاثون مليونا من الجوع ، وفي حين يموت آخرون من التخمة

 

نشر في مجلة الاتحاد العددين 192( مارس ابريل 2002)- 193 (يونيو -يوليو 2002)