حاورته: حياة الياقوت
كلمنا عن البدايات، كيف عرفت بحاجة أفريقيا أو المسلمين في أفريقيا للعمل الخيري؟
قدر لي الله في عام 1980 زيارة إلى بلد جمهورية مالاوي في الجزء الجنوبي من القارة الإفريقية، هذا البلد كان اسمه السابق نياسالاند، ودخله الإسلام قبل 500 سنة ولكن بدأ يضعف الإسلام حتى نقصت نسبة المسلمين من 66% إلى 17% عام 1980، وحتى هؤلاء 17% الغالبية العظمى منهم كانوا لا يعرفون شيئا عن الإسلام في غالبيتهم. فقررنا بعد ذلك أن ننشئ لجنة مسلمي ملاوي ثم لجنة مسلمي أفريقيا ثم جمعية العون المباشر.
كيف تقبلت أسرتك سفرك الدائم؟
من اليوم الأول حاولت أن أجعل الأسرة جزء من العمل، فعندما يذوبون في العمل لا يشعرون بغرابة لغيابي الطويل أو لغيره، وكانوا يلتحقون بي، لأني أقضي أنا حوالي عشر أشهر سنويا إلى 11 شهر، في أفريقيا ليست متواصلة ولكن متقطعة، فكانت أسرتي خاصة الأطفال الصغار لا يعرفوني بل يهربون مني إذا جئت للكويت، يعتبرونني إنسانا غريبا و قررت أنه في الصيف يلتحقون بي دون أي برنامج خاص لهم ويذهبون معي في برامجي وينامون معي في الغابات وفي الصحارى، ونمشي على أقدامنا مسافات طويلة، وأعتقد أنهم سنة بعد سنة ازداد حبهم لأفريقيا إلى الدرجة التي طلبت ابنتي الصغيرة من زوجها كشرط للزواج أن يذهبوا لأفريقيا ولكن طبعا لم نكتب هذا الشرط.
كلمنا عن تنظيم الجمعية، كم شخص يعمل في أفريقيا والكويت؟
في الكويت يعمل حوالي 60 شخصا في المقر الرئيسي، أما في أفريقيا نتيجة العدد الكبير في المدارس، لدينا حوالي 840 مدرسة، و4000 موظف. نعمل حاليا في 32 دولة وفي كل دولة عندنا مكتب وفيه موظفين متفرغين سواء للإدارة أو المالية أو التنفيذ في مختلف مجالات عملنا.
كيف هو نظام الرقابة على الأموال؟
عندنا حتى الآن سبع درجات من الرقابة المالية تبدأ بالمحاسبة الميدانية، هناك في كل مكتب من مكاتبنا موجود محاسب. نحن لا نعمل عن طريق وسيط، إنما نعمل مباشرة مع المحتاج وننفذ مشاريعنا بأنفسنا، والمحاسب عمله الوحيد هو أن يدقق على الأموال التي يستلمها منا وعلى الأموال التي تصرف على المشاريع التي ننفذها هناك. إذا وصلت التقارير الشهرية عندنا هنا في الكويت يستلمها مدير القطاع الذي يراقب جزء معين من الصرف المالي ثم يحولها على الرقابة والمحاسبة الميدانية، تقوم المحاسبة الميدانية بالتدقيق والتأكد بأنه لا يوجد هناك إنفاق غير مبرر عن طريق مقارنة المصاريف بالمصاريف السابقة وعن طريق سؤال الأخوة الجغرافيين الذين يزورون هذه الأماكن عن مدى دقة التكاليف المذكورة، ثم تحول إلى المحاسبة العامة التي تكتب تقريرا عن كل مكتب من مكاتبنا وترسله عن طريق القطاع الجغرافي إلى أفريقيا، ثم هناك التدقيق الداخلي والتدقيق الخارجي، بالإضافة إلى قسم المحاسبة الخاص التابع لرئيس مجلس الإدارة.
سمعت قصة طريفة حاولت تختبر أحد من المحاسبين، فرفض تغيير موقفه، كلمنا عن القصة.
اتصل بي أحد مدققي الحسابات وهو موظف صغير وأخبرني بأنني صرفت ربع دولار في السودان لتصليح حذائي. وقلت له: ماذا في ذلك؟ طبعا كنت مجرد أختبره، قال لي يجب أن تدفعها من جيبك. فذكرت له أني رئيس مجلس الإدارة ومن حقي أني أصرف مبلغ تافه مثل هذا بدون أي حاجة لأي قرار. قال: لا، هذا خطأ ويجب أن تدفعه من جيبك أو أن تعرض الأمر على مجلس الإدارة ويطلعون قرار من مجلس الإدارة أنه يجوز لي أن أصرف المبالغ المذكورة في السودان أو غير السودان. ناديته وبدأت أهدده وأخبره بأني الرجل الأول في المنظمة وأصر الرجل على ذلك. ففرحت أنا بذلك وقمت واحتضنته وطبطبت على ظهره وأعطيته راتب شهر كامل من جيبي شكرا له على حرصه على التدقيق في المبالغ البسيطة.
فزت مؤخرا بجائزة الشيخ حمدان آل مكتوم، كلمنا عن الجائزة.
الشيخ حمدان بن راشد نائب حاكم دبي ووزير المالية بدأ قبل ثمان سنوات في عمل جائزة طبية للباحثين في مجالات مختلفة وبدأ يركز على الجينات، هذه أول مرة يكرم جمعيات خيرية سواء داخل الإمارات أو دولية مثلنا على عملهم الطبي الإنساني في المناطق المحتاجة، وكانت جمعية العون المباشر وأنا أو من حاز على هذه الجائزة، وحازت على الجائزة كذلك عن الهيئات الموجودة في دولة الإمارات هيئة الأعمال الخيرية في عجمان.
أخبرنا عن إنجازات الجمعية بشكل مختصر حتى الآن.
نحن حفرنا أكثر من 6500 بئر معظمها آبار سطحية لتوفير المياه النظيفة للقرى في أفريقيا، ولدينا 138 مستشفى ومستوصف نعالج فيها أكثر من 4 مليون مريض، وعندنا 840 مدرسة فيها نصف مليون طالب، وعندنا كليات جامعية وجامعات في زنجبار وكينيا والصومال، وعندنا 15000 يتيم مكفول في هذه الدول تخرج الكثير منهم أطباء ومهندسين وعلماء وأساتذة جامعيين.
كيف توزعون الأولويات على أجندة العمل الخيري؟ وهل عملكم محصور بالإغاثة فقط؟
وضعنا استراتيجية منذ البداية أن أولويتنا الأولى هي التعليم ثم التعليم ثم التعليم، أعتقد أنه بواسطة التعليم يمكن أن نغير الواقع المر الذي تعيشه المجتمعات المهمشة هناك. نحن ما بدأنا بالإغاثة، لكن الإغاثة فرضت نفسها علينا، لأنه لا يجوز أن أرى ناس يموتون من الجوع وعندي قدرة على إنقاذهم ثم أقول أنا غير متخصص بالإغاثة، فالإغاثة ليست الهدف الذي نسعى إليه ولكن نحن في الأصل منظمة تنموية.
سمعت وجهة نظرك في قناة الجزيرة عما يمكن أن تقدم زكاة مال أثرياء المسلمين للعمل الخيري.
أنا غيرت رأيي، أنا كنت أقول لو أن المسلمين أخرجوا زكاة أموالهم لما بقي مسلم واحد فقير، الآن أقول لو أخرجت زكاة الأسهم في بعض الدول الخليجية فقط الأسهم لما بقي فقير في الدنيا كلها مسلم أو غير مسلم.
سمعت قصة عن أفريقي قابلته عرف عن نفسه بأنه مسلم بروتستانتي، في أية دولة كان؟
في زيارة لي إلى قرية مكة في مدغشقر، سألتهم لماذا اسمها مكة وهي قرية منعزلة جدا؟ أخبروني بأنها على اسم البلد الذي هاجروا منه ولا يعرفون أين هو. وكونهم مسلمين لم يكونوا يعرفون عن الإسلام شيء. فسألتهم ما هو دينكم الآن؟ فأخبروني أنهم مسلمين بروتستانت. فلما سألتهم عن هذا الدين الغريب الذي أسمع به لأول مرة قالوا لي أنهم في الأصل مسلمين ولكن لا يعرفون شيئا عن الإسلام، والآن أو قبل مدة جاؤوهم البروتستانت وقالوا لهم أنه لا فرق بين الإسلام والبروتستانتية وعلموهم كيف يصلون في الكنيسة وبنوا لهم كنيسة وأعطوهم الإنجيل ولذلك كل يوم أحد يصلون هناك تحت مسمى مسلمين بروتستانت.
كيف تتعامل مع تنوع اللهجات واللغات في أفريقيا؟ وهل تعلمت شيئا من اللغات، بعض الكلمات؟
دائما هناك من يترجم لي أو يترجم للآخرين إلى اللغات المحلية. أنا أعرف بعض الكلمات وأعرف كيف أدبر نفسي في الشارع، ولكن أولادي الصغار الآن تخرجوا يجيدون اللغة السواحيلية ويجيدون كذلك لغة تشيوا الذي يتكلم بها أهالي مالاوي.
أفريقيا معروفة أنه فيها قلاقل سياسية وميليشيات، ألا تخافون؟
تعرضت لإطلاق نار عدة مرات، تعرضت مرة لتفجير لغم في الحرب الأهلية في موزمبيق، كنت أثناء الحرب الأهلية عام 1991 أو 1992 في الصومال وأطلقت علي النار كذلك أكثر من مرة، وهددت بالقتل أكثر من مرة، ولكن هذا جزء من العمل الذي نقوم فيه، نحن لا نشتكي لأحد على هذه.
ما موقع الأفارقة غير المسلمين من حيث الإغاثة؟ هل الإغاثة للمسلمين فقط؟ و هل صحيح أنكم سبق وأن تعاونتم مع منظمات كنسية؟
نحن بحكم ديننا وبأوامر نبينا يجب أن نقدم الإغاثة لكل الناس بما فيهم المسلمين وغير المسلمين، بل أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن امرأة زانية دخلت الجنة لأنها سقت كلب عطشان ماء.
نحن نتعاون باستمرار، نتعاون مع كثير من القسس، وعلاقتنا طيبة بالعديد من المنظمات غير المسلمة.
بعد 11/9 والهجمة على العمل الخيري، كيف تأثرت جمعية العون المباشر بهذه الهجمة؟
نحن منظمة إسلامية شأنها شأن كل المنظمات الإسلامية التي دفعت ثمنا للمضايقات التي أتت بعد 11/9 . فمثلا تم طرد دعاتنا من أكثر من مكان. أصبح الآن أي حاكم أو أي سياسي لا يرغب بنا يدعي أننا إرهابيين ويطردنا بمجر ذكر هذه الكلمة. لا يحتاج أن يقدم أي دليل على ذلك. نحن الآن نرفض افتتاح أي مكتب جديد ونكتفي بما لدينا من مكاتب حتى تنجلي الظروف غير الطبيعية التي يمر بها العمل الخيري في العالم الإسلامي.
ما هو أكثر موقف أثار فرحك وأكثر موقف استدر دموعك؟
أكثر موقف أثار فرحي عندما رأيت اليتيمة زينب قرا التي رأيتها لأول مرة وعمرها 9 سنوات حافية ملابسها ممزقة وما كانت تغطي رأسها رغم أن القبيلة كلها وهم غير مسلمين يغطون رؤوسهم، ثم رأيتها مرة ثانية وقد تخرجت من كلية الطب وكانت الأولى ليس فقط على كلية الطب ولكن على كل كينيا.
وأحزن موقف عندما يموت طفل بين يدي، وكثير من الحالات حصلت بهذه الصورة. قد أتمالك نفسي ولا أظهر مشاعر أمام الناس ولكن عادة أذهب وأختبئ في غرفة أو في مكان لا يراني أحد وأبكي مثل الطفل.
____________________________________________________________
