(وقت القراءة: 1 دقيقة)

 

لا بدّ أن مضيفي الطائرة يفضّلون الركاب من أمثالي؛ الصامتين، القليلي الطلبات، الغارقين في عالمهم، المنهمكين جدا في الطقطقة على الشاشة الصغيرة أمامهم بأمان. ما لا تعلمونه أعزائي المضيفين، أني كنت منشغلة جدا –ومستمتعة تماما- بتصيّد الأخطاء اللغوية الشنيعة التي تحفل بها خرائط طائرتكم المصونة!

مزيج من الضجر والانزعاج من أصوات الأطفال قادني إلى العبث بالخرائط المتوفرة على "شاشة التسلية" في الطائرة، وإذا بي أرى العجب العجاب. كررت ذلك في أكثر من رحلة، ومع شركتيْ طيران؛ واحدة محلية، وأخرى خليجية. وكانت النتيجة مضحكة، "ولكنّه ضحكٌ كالبُكا" كما قال المتنبي!

1) شركة طيران محلية:

بفضل خرائط شركة الطيران المحلية هذه، اكتشفتُ أن جزيرة مسكان الكويتية صار اسمها ميسكان، وكان الله في عون القبطان إذا كان يستعمل الخرائط ذاتها ليقود الطائرة. فالخرائط ذاتها أظهرت لي المنقف باسم المنجف، وأبرق خيطان باسم أبراق خيطان.

كما أني تعرفت على مناطق جديدة في الكويت لم أسمع بها من قبل مثل: زهر العدل، والبيرع، ودوليع سعود، وجزيرة قورين! وأرجو من المتخصصين في التراث إغاثتي إن كان لهذه المناطق وجود حقا، لأضيفها إلى قائمة معلوماتي.

خليجيا، نجد أن البريمي صار اسمها البرايمي. ونجد مدينة اسمها "اوم لاج"، بعد التدقيق تبين لي أن المقصود مدينة أملج السعودية، وحرّة رهاط صار اسمها هارات راهات. أمّا نزوى العمانية، فقد صار اسمها نيزوا، وبدبد صار اسمها بيدبد، وضنك صارت دانك. وفي البحرين، تحول اسم البسيتين إلى البوسيتين.

عربيا، نجد صفاقس التونسية صارت سفاكس، وخليج سدرة الليبي صار خليج سيدرا، واللاذقية السورية صارت الاذقية، وإربد الأردنية صارت إربيد، ومادبا الأردنية صارت مأدبة (ولعل المترجم كان جائعا حين ترجم الاسم!)، أما الكارثة العظمة فتحول نهر دجلة إلى نهر تيجريس (بمسماه الإنكليزي) وبلاد الرافدين صار اسمها إنكليزيا أيضا "ميسوبوتاميا". ولو أطلت البحث في الخريطة لربما وجدت مدينة اسمها "هاكونا ماتاتا"!

وأتذكر أنه لفرط صدمتي حين اكتشفت هذه الأخطاء، وضعت بعض الصور في حسابي في "تويتر" وأشرت إلى شركة الطيران منبهة إياهم إلى الأمر، لكن لم أجد منهم أي تعليق كما توقعت. وأي تعليق يرمم هذه المصائب؟!

 

 

2) شركة طيران خليجية:

أما على متن شرطة طيران خليجية، فوجدت في خرائطهم أنّ خور عبد الله في الكويت صار اسمه "حور عبد الله"، ويمكن لصاحبة هذا الاسم أن تفخر أن قد صار لها مدينة على الخريطة باسمها. وحولي صارت هاوالي (ويبدو أن المترجم كان يفكر برحلة إلى هاواي حين ترجمها!) أما الجهراء فكتبت الجهرة، وهذا ليس خطأ شنيعا على أي حال، بل هو النطق العامي لها أحيانا.

وجزر السعديات في الإمارات صارت سديات. وخرائط هذه الشركة قررت أيضا تسمية نهر دجلة بتيجريس أيضا، ويظهر قربه مدينة اسمها "دجلا"، لا ندري أهي النهر أم مدينة مجاورة له. وشطّ العرب صار سات العرب (يبدو أن المترجم خلط بينه وبين عرب سات!) وكركوك صارت كيركوك، وبعقوبة صارت باكوبا، وكربلاء صارت كاربالا، وديالى صارت ديالا، وبلاد الرافدين صارت ميسوبوتاميا. وفي لبنان نجد مدينة صور وقد صار اسمها سور، ونهر الليطاني صار اسمه ليتاني، وجبيل صارت جوبيل، والبقاع صار البيقا. أما كارثة الكوارث فقد حلت لمعرّة النعمان في سوريا التي صار اسمها مارات النعمان، وحمد لله الذي توفى أبو العلاء المعرّي قبل هذا! وفي الجزائر ظهر لي مدينة اسمها "ماسكارا"، أي والله، هكذا ظهرت لي على الخريطة، وبعد بحث مضنٍ، اكتشفت أن المدينة لا علاقة لها بأدوات التجميل، وأن اسمها الصحيح هو معسكر أو أم عسكر ويسميها الفرنسيون ماسكارا. وبليدة صارت بليدا، وسيدي بلعباس/بالعباس صارت سيدي بل عباس. وخليج الحمامات في تونس صار خليج الهمامت. وكسلا في السودان صارت كاسالا.

ختاما:

أفهم أن تُنشأ الخرائط الملاحية الجوية بلغة غير العربية (هذا إلى أن نهتدي لتصنيع طائرات بأنفسنا)، وأفهم أن تُترجم هذه الخرائط آليا (فهذا أوفر وأسهل). لكن ما لا أفهمه أن لا يبذل أحد جهدا في مراجعتها، أو على الأقل مراجعة تلك المتعلقة ببلادنا العربية.

أنا هنا أتغاضى عن الأخطاء في الأسماء الأجنبية، فلا يضرنا كتابتهم "سراجيفو" بدلا من "سراييفو"، و"تبيلسي" بدلا من "تبليسي"، وتسميتهم سوانزي بـ"سوانسي"، وداندي بـ"دوندي" و" سالزبري" بـ"سالسبيري". فهذه أعلام أجنبية لها أصحاب ينافحون عنها. أنا هنا مفجوعة بأسماء مدن ومناطق عربية تُرجمت ترجمة اعتباطية شوهاء. ويبدو أن الوضع فكاهي بامتياز، فأسماء الأماكن العربية ترجمت إلى الأجنبية، وسقطت منها بعض الحروف بطبيعة الحال نظرا لعدم وجودها  في اللغة المترجم إليها. ثم ترجمت مجددا من الإنكليزية إلى العربية فجاءت كما ينطقها الأجنبي. هذا بافتراض حسن النية، وأنّ الأخطاء جاءت نتيجة للترجمة الآليّة القاصرة. أمّا أن يكون مترجم بشري -لم يكترث لتدقيق ترجماته- هو مَن ترجم هذه الخرائط، فهذا احتمال لا أودّ التفكير به.

أمّا بقية خطوط الطيران فقد سلمت مؤقتا، فلم أسافر عليها منذ ممارستي لهذه الهواية الجديدة؛ نبش الخرائط وتعقيمها من الأخطاء اللغوية-الجغرافية! ولا يزال لديها وقت لتراجع خرائطها قبل أن تكون موضوع مقالتي القادمة!

 

 

نشرت في مجلة "البيان" الصادرة عن رابطة الأدباء الكويتيين، العدد 583، فبراير 2019، من صفحة 44-49.