"جسّوم ومشيري" هو اسم لأحد أنواع البوظة أو الـ"آيس كريم" الذي عهدته في طفولتي وكنت أظنه انقرض إلا أني وجدته منذ بضعة أيّام في أحد المحلات. والاسم أيضا اسم مسرحية للأطفال إن لم تخني الذاكرة. المهم أن في كلا الاسمين جد محيّر وخليق بالبحث والتمحيص.
صورة الـ"آيس كريم" الذي أوحى بالمقالة!
جاسم أم قاسم؟
جسّوم صيغة تصغير - قد تكون للذم وقد تكون للتدليل، وصيغ التصغير في اللهجة الكويتية أمر لطيف يحتاج إلى مقالة منفصلة- على وزن "فعوّل" لاسم "جاسم" وهو اسم قصته قصّة؛ فكثير من الناس يعتقد أن جاسم تعني الشخص عظيم الجسم، وهو برأيي تفسير غير دقيق للاسم، فجاسم هو تحوير لاسم قاسم. وكلنا نعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في حديث صحيح السند "تسمّوا باسمي ولا تكنّوا بكنيتي" وكنيته كانت أبا القاسم، فكانت تخريجةُ الأمر أن يتم تحويره إلى قاسم وكثير من الكلمات في اللهجة الكويتية تتحوّر قافها إلى جيم مثل اسم عائلة العبد القادر ينطق في اللهجة الكويتية العبد الجادر.
والدليل الأكبر على أن جاسم هي في الأصل قاسم هي مسألة الكنية في اللهجة الكويتية، ففي الكويت يكنّي أي شخص اسمه أحمد ب "بو شهاب" حتى لو لم يكن الشخص متزوجًا ولديه أطفالا، الغريب في الأمر أن هذه الكني تستخدم مع الأطفال أيضا، فيقال لـ:
عبد الله بو نجم
عبد اللطيف بو شميس
وسليمان بو داوود والعكس
وسعود بو عبد العزيز والعكس
حسين بو علي والعكس
وإبراهيم بو خليل والعكس
ويوسف بو يعقوب والعكس
ما يهمنا في الأمر أن كثيرًا من الاسماء الواردة أعلاه مشتقه من اسماء انبياء أو مشاهير واسماء ابنائهم. علاقة الأمر باسم جاسم هي أن الكويتيين يكنون أي شخص اسمه محمد بأبي جاسم! ومن هنا يتبين لنا أن اسم جاسم هو تحوير لقاسم.
مشاري: اسم لا يُشارى ولا يُمارى!
أما "مشيري" فصيغة تصغير لاسم "مشاري" على وزن "فعيلي" مثل تصغير علي ب "عليوي"، وهنا المشكلة، فهذا الاسم محيّر أكثر من اسم جاسم وفيه أكثر من رواية وله أكثر من نطق أيضا:
1- قد ينطق مْشَاري بتسكين الميم وعندها تقوم الأغلبية بكسر الميم لأن العرب لا تبتدئ بالساكن فيصير نطق الاسم (إمشاري). وهذا النطق شبيه باسم الفاعل من الفعل "شارى" ومضارعه يشاري واسم فاعله الفصيح مُشارٍ.
2- وقد ينطق مِشاري بكسر الميم، ولا تفسير لدي لذلك.
حمد السعيدان في الموسوعة الكويتية المختصرة يرى التالي:
"مشاري: اسم كويتي نقله الكويتيون عن الهنود misari، أو عن التسمية السواحيلية "مشاري" وتعني السهم المنطلق. قال محمّد المشاري سفيرنا السابق في كينيا أنه يعتقد بأن المقصود بالتسمية هو إنسان يبايع الناس ويشاريهم، فهو مبايع ومشاري معهم ولهم. ولم يقنعني هذا التفسير كما أن تفسير الكلمة السواحيلية لم يقنعه! إلا أننا أبدينا شبه اقتناع حول اللفظة الهندية!" صفحة 1412 - 1413 من الموسوعة، الجزء الثالث، الطبعة الثانية، 1981.
أما معجميا، فـ"مشاري" يعني المُلاجّة!
1- في المنجد:
شاري، يشاري:
شارى مشاراة جادله ولاجّه، ومنه المثل "المشاراة والممارة تفسدان الصداقة القديمة" فالمشاراة المجادلة والملاجة، والمماراة المنازعة، و"فلان لا يشارى".
2- في لسان العرب:
والمُشاراةُ: المُلاجَّةُ، يقال: هو يُشارِي فلاناً أي يُلاجُّه.
وفي حديث السائب: كان النبي، صلى الله عليه وسلم، شَريكي فكان خير شَريكٍ لا يُشارِي ولا يُمارِي ولا يُدارِي؛ المُشاراةُ: المُلاجَّةُ، وقيل: لا يشارِي من الشَّرِّ أَي لا يُشارِرُ، فقلب إحدى الراءَيْن ياءً؛ قال ابن الأَثير: والأَول الوجه؛ ومنه الحديث الآخر: لا تُشارِ أَخاك في إحدى الروايتينِ، وقال ثعلب في قوله لا يُشارِي: لا يَستَشْري من الشَّرِّ، ولا يُمارِي: لا يُدافِعُ عن الحقِّ ولا يُرَدِّدُ الكلامَ؛ قال:
وإني لأَسْتَبْقِي ابنَ عَمِّي، وأَتَّقي *** مُشاراتََه كَيْ ما يَرِيعَ ويَعْقِلا
قال ثعلب: سأَلت ابن الأَعرابي عن قوله لا يُشارِي ولا يُمارِي ولا يُدارِي، قال: لا يُشارِي من الشَّرِّ، قال: ولا يُماري لا يخاصم في شيءٍ ليست له فيه منفعة، ولا يُداري أَي لا يَدْفَعُ ذا الحَقِّ عن حَقِّه؛ وقوله أَنشده ثعلب:
إذا أُوقِدَتْ نارٌ لَوى جِلْدَ أَنْفِه *** إلى النارِ، يَسْتَشْري ذَرى كلِّ حاطِبِ
ابن سيده: لم يفسر يَسْتَشْري إلا أَن يكون يَلِجُّ في تأَمُّله.
رد اسم مشاري إلى الفعل شارى يشاري منطقي من الناحية اللغوية أكثر من التفسيرات الواردة في الموسوعة الكويتية، وإن كان معنى الاسم ليس مستساغا، ولكن هذا ليس بمستغرب فكثير من الناس يسمون ابنائهم بـ"قابيل" رغم أنه قاتل أخيه.
والله أعلم من قبل ومن بعد.
جسّوم ومشيري!
- التفاصيل
- كتب بواسطة: حياة الياقوت
- المجموعة: مقالات لغوية
- الزيارات: 21262