أدناه أسئلة مشروعة كثيرا ما تردني. وما سأجيب به هو مجرد أبواب أشرّعها لكم كي تفكروا في الأمر. لا شيء أثقل على قلبي من الوصفات الجاهزة، ومن الكتّاب الذين يبتكرون القوانين ويختبرونها على قرائهم. إجاباتي هي تجربتي الخاصة المُعْلِمة لا الملزمة، اطلعوا عليها لكن لا تقبلوا بالتخلي عن أدواتكم المخبرية ومحاليلكم وحلولكم. إذا اتفقتم معي، أخبروني، وإذا اختلفتم نوروني.

إنها رسالة أحملها لأقول لكم أن القراءة تُقرِئُكم السلام، أنها تُحَييكم كي تُحْييكم. فهل ستردون التحية بمثلها أو بخير منها؟

 

1. لماذا أقرأ أصلا ومن لم يسرع به علمه، أسرعت به "واسطته"؟! أريد فوائد عملية حتى أقتنع، لا أريد تنظيرا فارغا.

- القراءة تخرج الإنسان من إطار المعلومات المتشظية، إلى إطار المعرفة. فعقولنا ملئى بأكوام من المعلومات نتلقاها من حياتنا اليومية، ومن التلفاز، والإنترنت، والصحافة، وهنا وهناك. لكن القراءة تساهم في سبك هذه المعلومات في إطارات منهجية، وتساعدنا على جمع هذه المعلومات والأفكار المتناثرة، وضمها في "ملفات"، ومن ثم في "مجلدات" إذا استخدمنا المجاز الحاسوبي.

- القراءة توسع أفقنا، لأنها تعيرنا عقول أشخاص آخرين، وتجاربهم، ونظرتهم في الحياة. وكثيرا ما نستفيد ممن يخالفونا في الرأي لا من يسبحون معنا في الموجه نفسها. ألم يقولوا في السفر سبع فوائد؟ ما قالوا هذا إلا لأن المسافر يخالط بيئة وأناس وأفكار تختلف عنه، فتثريه. وكذا هي القراءة.

- القراءة تبلسم جراحنا، خاصة القراءة في الأدب "المحترم". فحينما نرى ما يمر به الآخرين يهون علينا ما نمر به. كما أن القراءة الأدبية تمنح الإنسان مرونة نفسية ومواقفية، إذ تجعله مهيئا بمخزون نفسي للتعامل مع مواقف لم تمر معه حياتيا، لكنها مرت معه قرائيا.

- القارئ إنسان واثق، لأنه أفكاره مرتبه، وهو بالتالي أقدر على النقاش السليم بناء على علو الحجة على علو الصوت.

- القراءة تساعدنا على اتخاذ القرار الصحيح، لأننا نملك المعرفة المناسبة، في الوقت المناسب. إنها تعطينا القدرة على اتخاذ القرار المناسب بالتكلفة المناسبة. وكم من قرار كلفنا كثيرا بسبب ضيق أفقنا أو قلة معرفتنا.


2. العصر تطور. يمكنني أن أشهد فلما بدلا من قراءة رواية، أو اشاهد وثائقيا بدلا من إتعاب عيني بالقراءة من كتاب. أنت تسحبيننا إلى الوراء.

للمشاهدة ميزات كثيرة، أعرف من يمكنها تدبيج العشرات منها، لذا أترك هذه المهمة لهم. لكن من ناحيتي، أرى أن القراءة لها جناحان خاصان:

 

1. الخيال. عندما تقرأ فأنت المخرج، أنت تتخيل أشكال الشخصيات ونبراتها وألوان الأثاث وزاوية التصوير. وهذا تمرين عقلي مهم حتى في حياتك اليومية.
من يكثرون مشاهدة الأفلام تتحول حياتهم إلى فلم كبير، يسبحون فيه عكس التيار. مثل الفأر في عجلته، يتوهم أنه يسعى، وهو في مكانه يرزح!
تجد أحدهم حينما يشعر بأن الطريق مزدحم، يضع كل الاحتمالات الأخرى لشارع فرعي يمكنه من الالتفاف على الزحام المتوقع في الشارع الفلاني. أما الآخر (الذي يعيش في فلم كبير) فهو يسلم نفسه للأحداث قائلا: "علينا وعلى غيرنا".


2. إمكانية التفكر والتأمل والنقد والاختلاف تكون أكبر حال القراءة لسببين:
أولا لأن القارئ هو المخرج، وبالتالي يمكنه أن يتخيل الأمر من أكثر من زاوية (لا الزاوية التي اختراها مخرج الفلم). وفي أثناء عملية التخيل والاختيار هذه، تتبدى القارئ مناطق وأفكار وأمور تستحق التفكر، وتستحق الاتفاق أو الاختلاف، الإشادة أو النقد. حينما تقرأ أنت من يتخيل شكل كل شيء ابتداء من أشكال الناس إلى أشكال قطع الأثاث مع توجيه بسيط من الكاتب، أما في الفلم، فأنت طبق لاقط لخيال المخرج وفريقه.
ثانيا، زر الإيقاف في يد القارئ أسهل استعمالا منه في يد المتفرج. من يجرؤ أن يقسم مشاهدة فلم على يومين مثلا؟ بينما يمكننها تقسيم قراءة رواية على أسبوعين دون مشكلة!

فضلا عن ذلك، يمكن أن يكون الفلم في سينما، أو نشاهده مع مجموعة، فنضطر إلى إكماله بغض النظر عن استعدادنا النفسي والعقلي. بينما مع الكتاب نحن سادة الموقف ونملك أن نقول له لا أو انتظر أو إي اختلف.

الفلم معد بحيث يجرفنا، بحيث نتسمر أمامه مع رقائق البطاطس. باختصار، المشاهدة مفيدة جدا وأفيد من القراءة لاكتساب المعلومات، لكن لبناء القدرة النقدية وأسلوب التفكير والإطار الفكري (mindset) فالقراءة هي الخيار.

 


3. حسنا، يبدو أني سأقرأ. هل من نصائح عملية كي أبدأ؟

- علينا أن نعرف أننا نقرأ أما كي نستفيد أو نستمتع أو كليهما معا. علينا أن نتخلص من شبح القراءة المدرسية؛ قراءة الكتاب سطرا، سطرا، كلمة، كلمة وحفظ كل ما جاء فيه لأننا لا نعلم ماذا يأتي في الامتحان. وأعتقد أن هذا الإحساس المزعج هو ما يبعد الكثيرين عن القراءة ويجعلهم يكرهون الكتب لا شعوريا. لا بأس ألا تقرأ أجزاء في الكتاب لا تراها مهمة. لا بأس ألا تقرأ من كتاب ما إلا فصلا واحدا، إذا كان هذا فعلا ما يهمك وما يفيدك.

- البعض يريد أن يقرأ فقط ما يحلو له وما يتوافق مع أفكاره، فإذا وجد كل كتاب يشتريه يتصادم مع "منطقة الراحة الفكرية" التي لديه، يبدأ شيئا فشيئا يرى أن القراءة شيء سخيف ومضيعة للوقت. علينا أن نفهم أنه لا بأس أن نختلف مع الكاتب، بل هذا تمرين عقلي جيد. من يقرأ فقط كي يسمع الكاتب يصفق له ويمجد أفكاره ويخبره أنه كان على حق من البداية، عليه ألا يجشم نفسه عناء القراءة.

- كثيرون يتحمسون للقراءة ويشترون الكتب بمبالغة، ثم يكتشفون أن الكتب لا تروق لهم. فيتخذون قرارا بعدم شراء كتب جديدة إلا حينما ينتهون من أكداس الكتب التي لديهم. وما يحدث في النهاية هو أنهم لا يقرؤون نهائيا. من يريد أن يقرأ عليه أن يفهم أن هناك معدلا كبيرا للـ"حوادث"! لا داعي للوم أنفسنا إذا اشترينا كتابا ولم يكن الاختيار موفقا. يمكن التبرع به للمكتبة العامة أو لأي لجنة خيرية. وطبعا من الأفضل السؤال، وقراءة المراجعات، وأخذ آراء الآخرين قبل الشراء. القراءة ليست واجبا ثقيلا علينا التخلص منه، بل هي شيء نندمج فيه كما يندمج لاعب "البليه ستيشن" وينسى نفسه  ومن حوله. سامحوا أنفسكم، وابحثوا عن كتب جديدة.

 


 

4. كيف أشجع الصغار من حولي على القراءة؟
1. يجب أن يكون من يشجع الطفل على القراءة يقرأ أيضا، ويراه الطفل يفعل ذلك؛ "القيادة بالقدوة".

2.  يجب أن يتم إشعار الطفل أن القراءة ممتعة. الطفل لا يريد الفائدة، وليس معنيا بها أبدا، أبدا. الأطفال لا يفهمون عالمنا البراغماتي. هم يريدون الفرح واللهو. يجب أن تربط القراءة بنشاطات مرحة، مثلا يمكن تخصيص جائزة لمن ينهي كتابا. أو أن تكون الهدايا التي تقدم للطفل في المناسبات مكونة من ألعاب وكتب. قد لا يقرأها، لكن وجودها مع الألعاب وفي مناسبات سعيدة، سيكون صورة ذهنية إيجابية لديه. صناعة الارتباطات الشرطية بين القراءة وبين حوادث مفرحة، تجعل القراءة كامنة في لا شعور الطفل ومن الصعب زحزحتها.