"... كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله ..."
هكذا يقول رب العزّة في كتابه العزيز، وهكذا يسجلّ التاريخ في "بدر"، وفي "الخندق" وفي غيرهما.
لكن أليس لافتا أن "الفئة القليلة" التي انتصرت –ميدانيا لا أخلاقيا- هم اليهود لا نحن! ألا يستدعي هذا التفكير؟ ألا يستجدي هذا البحث في الأسباب؟ وأنا هنا لا أتكلم عن أداء المقاومة في أحداث غزة الأخيرة، بل أستقرئ تاريخ صراعنا مع الصهاينة.


الإجابة بادية في قوله تعالى: "بإذن الله".
لكن لم إذن الله بنصرهم علينا ونحن أصحاب الحق؟!
أجل، إن الأمور إلا بإذن الله. والله لم يأذن لنا بل أذن لهم! فهو عزّ وجل لا يعاقبهم على كفرهم وجحودهم مرتين. فمتى ما استكملوا أسباب القوة الدنيوية انتصروا علينا. أما "النصر الخاص"، النصر الذي من عنده عزّ وجل، النصر الذي تتنزل فيه الملائكة تحارب وتنافح كتفا بكتف مع المؤمنين، النصر الذي يعيننا فيه الحجر والشجر فلم نستوفِ شروطه بعد!

اليهود لديهم اعتزاز غريب بمعتقدهم، ولا أدري هل أغبطهم عليه، أم أنه يجوز لي أن أحسدهم مثلا على اعتبار أنهم قوم حربيون. طالعوا وتمعنوا في هذا الشتات؛ بعضه من "فلاشا" إفريقيا، وبعضه من شرق أوربا. بعضه "أشكنازي" أرستقراطي، وبعضه "سفارديمي" كادح. بعضه يعتمر نجمة داوود السداسية في سلسلة على صدره أو على قلنسوته على هامته وبعضهم ينادي بالعلمانية. لكن كلهم يهتفون بتبجح أنهم شعب الله المختار وأن هذه أرضهم الموعودة، ومن لا يعجبه يمكنه أن يشرب من البحر! أجل من البحر، فالأنهار العذبة محجوزة لهم، فمخططهم هو "أرضك يا إسرائيل، من الفرات إلى النيل".
حتى العلمانيون؟ أجل حتى العلمانيون يرون أنهم هم الشعب المختار. المتدينون يسمونها دينا، والعلمانيون يسمونها تراثا مشتركا ودواعٍ لتوحيد الهوية. وفي النهاية كل الطرق تؤدي إلى القدس، عفوا، عفوا أقصد "أورشليم"!
نحن أيضا عندنا العقيدة ذاتها، نحن أيضا "خير أمة أخرجت للناس"، نحن أمّة الله المختارة. عندنا العقيدة ذاتها، لكن نسينا أن نستمسك بها ونعض عليها بالنواجذ. لهذا نصرهم الله، ولهذا أذلنا الله في "غزّة" حين أضعنا بوصلة العزّة!

غزّة، وكأن القلب:
قطاة "غزّها" شرك *** فباتت تجاذبه وقد علق الجناح
(والبيت لقيس بن الملّوح مع بعض التعديل)


سانحة:
في حين يتشاكى اليهود ويتباكون بشأن "الهولوكوست" (وأنا شخصيا أستنكر هذه المحرقة البغيضة)، لكن ها هم يحرّقون الفلسطينيين بما يمكن تسميته بالـ"باليكوست" Palecaust!
يُقال أن الذي يذوق الظلم، مُحال أن يذيقه غيرَه. فهل -يا أبناء عمنا الساميّين- نستنتج من ذلك أن الهولوكوست (محرقة اليهود) لم تكن حقيقة؟