قال اميل حبيبي (استعيد الماضي لا لكي افتح جراحا ، بل كي لا تذهب التجربة هباء ولا تعود الذاكرة عذراء)
وقد صدق في ذلك ، فاستعادة الماضي حتم وواجب يمكننا من معايشة الواقع ورسم مسالك المستقبل ، ومن بين المؤسسات العربية الماضية والمستمرة حتى لحظتنا هذه هي جامعة الدول العربية ، تلك المؤسسة التي ما فتئت تغرقنا وتزحم عقولنا بقرارات محشوة بالوعود والعهود ،وعامرة بالمواثيق ، بيد أنها تعاني من فقر المصداقية وجوع في التطبيق وتكرار مزمن في التسويف والتأجيل ، حتى قادها ذلك أن تتحول لسوق عكاظ يجتمع فيه الجميع ليتشاكوا ويتباكوا من المصائب و المخازي التي تضيق الخناق عليهم ، ولينددوا ويشجبوا ويدينوا ويعترضوا ويحتجوا على بربرية وهمجية العدو الصهيوني ومن ثم لتعلن بعض الدول العربية نهارا
جهارا التطبيع معها ، الجامعة العربية وقعت في مطب التناقض بسبب فيروس الإجماع الذي جمد قرارات كان من الممكن ان تفعل الكثير ، وقصارى القول انها أنشئت وهي تحمل بذورا لتكريس التفتت فهي جامعة (الدول ) العربية وليست جامعة العرب او العروبة وان كان الاسم لا يعني شيئا فالمشكلة تكمن في ميثاقها العاجز ان يثب فوق الخطب الكلامية الحماسية ليصل الى العمل( فالأعمال أبلغ من الأقوال) كما قال العرب وفعلوا قديما وليس حديثا .
وبعد هذا السيل التهكمي يتبادر السؤال عما يحسب لصالح الجامعة وليس عليها..وحقيقة القول ان للجامعة دورا في حل بعض العقبات و مظالم التاريخ ، كما انها البيضة الذهبية لبعض القادة لإلهاب حماسة الجماهير و تكوين نظرة طوباوية كلامية لعديد من الأمور .
وختاما فان دور الجامعة في حاجة لتفعيل وتحجيم إيجابيين للقضاء على سوء الفهم وعدم التواصل والتنافس الذي وصل لمرحلة التنافر ، ايا يكن فعلينا الا نتوقع الكثير من مؤسسة ولدت على يد جراح بريطاني الا وهو انتوني ايدن وتمت مباركتها من مجلس العموم البريطاني وعلينا الا نتوقع (ان يغير الله ما في قوم حتى يغيروا ما في أنفسهم )
نشر في جريدة القبس ، العدد 9069 ، بتاريخ 18-09-1989