في كل عام تتهلل أسارير الأمة لتستقبل ذكرى أكتوبر لتستعيد ذكرى النصر الممتزجة بذكرى الشهر الكريم لتتم السرور ولتخط إبداعات يوبيلها الفضي كذكرى مرت وكانت ،ولتبقي لنا واقعتا وإحباطنا ، ولتشرح (للأذكياء فقط) دروسا تخطف العقول والأبصار مجتمعة ،فتقودهم لبركان محموم من الأسئلة ، فلم لا تتكرر ذكرى النصر لتوحد زوال إسرائيل بزوال الحدود بين العرب ؟ هذا سؤال يحمل في طياته المرارة وعقد التاريخ وتثاقل الزمان بتثاقل أصحابه .

ولعل ما يميز نصر أكتوبر ان الظروف المصاحبة له على شتى الأصعدة والاتجاهات لم تكن مثالية بل على العكس ،حيث دلت جل المؤشرات ان العرب كانوا يعانون من فوبيا الهزائم المتكررة وانهم لن يقدموا على أي خطوة عدائية ، حيث أشار عازرا فايتسمان (لقدا عتقدنا قبل حرب73 ان العرب سيعيدون التفكير مرتين قبل ان يضغطوا على الزناد لكن اعتقادنا سقط بعد الحرب )) فعنصر المباغتة العسكرية يعول عليه كثيرا لإغراق العدو ومن الواضح ان العرب وفقوا في ذلك بيد ان التوسعات الغير مدروسة لم تحالفهم . فيثار التساؤل الثاني عن عدم استغلال جذوة النضال وتحركات امواجه لاكمال الملحمة ؟ ولكن هذا لم يتم للاسف فقد تحول النصر لصنم يشغلنا عن التحركات المرجوة ، والنصر الذي لا يتبعه نصر اخر يعد هزيمة ، وما يجب عليناهو الا نفهم النصر من جانبه العسكري وإلا نكون قد ابتعدنا عن الوطر المنشود ،بل علينا ادراك النصر بصورته المعنوية التي تثمن الموقف على حقيقته ، فهذا النصر فتح فرصا وفروضا للحوار المستنزف بين العرب وساعد على تعدي مرحلة الهجاء السياسي الى التعاون الجماعي وتجنب التصادمية .

ولعل ما نحتاجه في حقيقة الامر هو (روح اكتوبر) لا رمزها ونصرها الذي لم يمنعنا من لقاء اليهود بالعناق والقبل ،رغم ان عدو الامس هو عدو اليوم حتما ، والتطبيع المستشري في دماء بعض العرب لن يعود علينا الا بالمصائب والكوارث .

وبغض النظر عن التداعيات والاحباطات المتداخلة مع سعادة الذكرى ألمها ، فان علينا ألا نسعد بالذكرى عينها بل بإلهامها وروحها لتتضافر مع وعينا الممات المدفون ، ولتقدم التفاتات شكر درامية للشهداء، ولتقدم تعاز تهكمية لأحيائنا (الموتى )

 

نشر في جريدة القبس ، العدد 9090 ، بتاريخ 09-10-1998