ماذا كان اسمها؟ تلك الأم التي أحنت ظهرها في ذاك المصنع المشنوق بالزحام والمخنوق بالدخان وروائح الأصباغ؟ تلك التي أمسكت بالأكواب الخزفية وأخذت تلوّن الشخصيات الظريفة، والمقابض المزودة بكائنات محببة. ولماذا كانت تفعل كل ذلك؟ على أمل أن تراها امرأة ما في العالم السعيد فتبتاعها لأبنائها، فتعود تلك ... تلك الأم التي لا أعرف اسمها إلى بيتها ببضعة يوانات لأبنائها.

 

ترى، هل حظي أي من أبنائها بكوب ظريف مصبوغ يدويا؟ لا، هذا ترف لا تقدر عليه لا يحق لأبنائها. لا تنفك صورتها المتخيلة مطبوعة في رأسي. أشعر بأني رأيتها من قبل، وجهها الذابل، التجاعيد التي على شكل مروحة المحيطة بعينيها، نابها الأيمن الأكثر اصفرارا من بقية أسنانها. آه، لو أستطيع أن أعرف اسم تلك المرأة التي تستعمر تفكيري منذ رأيت تلك الأكواب!

يقلق وجودي الطويل أمام الرف والصور التي ألتقطها عامل الجمعية الذي يمر بقربي، أقلب العبوة وأدعي أني أبحث عن السعر، فأجده. 440 فلسا، ترى كم يعادل باليوان الصيني؟ وكم حصلت تلك المرأة منها. عندما أعود إلى البيت أعرف أن سعر الكوب يعادل 10 يوانات  تقريبا، في بلاد يصل فيها معدل رواتب الموظفين إلى 4672  يوان (216 دينار فقط!). وماذا عن رواتب عمال المصانع المكدودين الكادحين؟ كم أجر تلك المرأة، يجب أن أعرف؟ لا أعبأ أن أعرف، لأني الآن قلقة بموضوع أهم. كم ساعة تعمل تلك المرأة في اليوم؟ كم مرة أجبرت على مواصلة العمل بعد انتهاء دوامها؟ كم مرة اضطرت إلى العمل في عطلتها الأسبوعية؟ أراها تمسح العرق عن جبينها بعد يوم عمل طويل، قضت فيه 16 ساعة في المصنع بدلا من 8 ساعات لأن هناك طلبية مستعجلة يجب أن تشحن غدا، قد تكون هذه الأكواب عينها من تلك الطلبية! أرى رجليها وقد نفرت الدوالي منهما لأنها أمضت يوم العطلة تعمل، سبب مرض مفاجئ لأحد بنيها. كان ذهابها إلى العمل اليوم أجدى من بقائها لتمرّضه، ذهابها إلى العمل يأتي له بالدواء.

 

لم أكن أعلم أن الخزف الصيني ثقيل إلى هذا الحد ...ثقيل على القلب. قلبي ثقيل جدا، ومهشم كخزف!  هذا كوب منحوس وجوده في البيت سيخنقني بحضورها. أعيده وآمل ألا تلاحقني تلك المرأة حتى أحلامي!

أرجوكم، قولوا لي إن تلك الأكواب ملوّنة آليا، وإنّي أهذي!