ها هي العولمة تشرئب مرة اخرى لتعلمنا انها هي المنتصرة -و لو آنيا- ، و لتخبرنا ايضا -اذا كنا من السامعين ,  المبصرين- بأنها على دين من يطعمها.  فالشوارع المكتسية بالحمرة -ليس خجلا من كون العرب و المسلمين في ذيل كل قائمة الاحصاءات التنموية - بل احتفالا ب "يوم الحب "، "عيد الحب"، او "يوم فالنتاين" عربه كما تشاء، فلايهم كيف نعرب، طالما انا لا ننتج او حتى نجرب. البعض يجادل بان ذلك من قبيل تشارك الحضارة الانسانية و تلاقحها ، بينما يرى البعض الاخر بان هذا تنميط و تتبيع للهوية و تعليب لها في اطار ليس من صنعها. الصدق يقف في الوسط كونه خير الامور .

احد الآراء الظريفة هي تبرم احدهم من (يوم فالنتاين، ذلك المسخ الامريكي) رغم ان العم فالنتاين ايطالي، شأنه شأن البيتزا و الجينز، جهد الايطاليون في ابداعها، لكن الامريكيين هم من برع في تسويقها. الاظرف اني لم اسمع حتى الان بايطالي اشتكى من استيلاء الامريكيين على الحقوق الفكرية لتراثه، ربما لانه و ببساطه وعى بان من يجهد يحصد سواء ابتكر او استعار.

الاظرف من ذلك هو ذلك الذي قال " دعونا نمرح أيها المكتئبون المنغلقون، التراث الانساني لا يعرف ملة او عرقا". لا غبار على ترويح القلوب ان كلت، لكن يبدو ان العقول و السواعد لدينا هي الاخرى كلت فقضت علينا ان نكون نسيا منسيا. و لا غبار ايضا ان الحكمة – رغم ان ليس كل ما يبدو حكمة هو كذلك - ضالة المؤمن، لكن من المهم ان يكون المؤمن ايضا منتجا للحكمة و ليس متلقيا الى أبد الآبدين.

الجدل الفالنتايني ليس مهما بحد ذاته. المهم في الامر هو ما وراء احمرار العالم ليس اقتداء بالشيوعية البائدة بل بالعولمة الرائدة. في عالم العولمة تسقط الحدود – رغم الفجوة الاقتصادية و المعلوماتية- ، و ترفع شعارات One size fits all او "قياس واحد يلائم الجميع". و القياس هذا ليس بالضرورة كما تقول عباراتنا المكروهة المكرورة "مؤامرة امريكية"، فهذا القياس كان يوما اسلاميا، فالاسلام دين عولمي، و هو اليوم امريكي لان في ارض "العم سام" من يجهد و يعمل ، وفي ارض"الساميين" من يتلذذ بالكسل و النوستالجيا و لوم الاخر جهلا او تجاهلا ، بل و ربما كسلا او تكاسلا. و في المستقبل و العلم عند الله، لا تستغربوا ان تبرم احفادنا من المؤامرة اليابانية العولمية للهيمنة على العالم، و لا تستغربوا ان تندروا على قصر قامات اليابانيين، ناسين ان رقابنا تقصر كل يوم.

 العولمة – بمظاهرها و منها يوم فالنتاين- على دين من يطعمها. الم يقولوا قديما "من جد وجد". اليوم "من وجد جد" ايضا ، فالحضارات تستعير من سابقاتها و تضيف عليها،و لكن كي تبقى عليها ان تبدع و تبتكر.

و حتى لا اظل في ركب المتبرمين الذين لا يعرفون اشعال الشموع، ارى في احد شعارات العولمة شمعة : فكر بعالمية و اعمل بمحلية Think globally and act locally، فكل منا راع و " مسؤول عن رعيته"، و ليس من الحكمة ان نحدق في السماء كثيرا، علينا التصرف بواقعية، كل من موقع مسئوليته، و لكن هذه المرة مع رسالة ذات نفس عالمي عولمي، هذا هو جوهر ديننا.

الطائر المبكر يفوز بالدودة، هل قال سمعت احدهم يشتكي من كوننا دودة سائغة؟ يبدو ان " رهافة سمعي تثقل قلبي" كما يقول شكسبير على لسان جوليا.