الإنترنت تقدم فرصة شديدة الاتساع لأي باحث ليدرس تكوين العقلية العربية وأنماط عملها. قرأت رسالة ليست حديثة جدا استشرت على الشبكة وفي كثير من المنتديات مقدمة تفسيرا شديد الإحباط لمعنى "پنتيوم" المعالج الشهير الذي تصنعه شركة "إنتل" وهو أن Pentium عبارة عن اختصار لجملة Pay every nickel to undermine the Mosque أو ادفع كل نكلة لتقويض المسجد! ومبتدع هذا التفسير الألمعي حكم أن المسجد المقصود هو المسجد الأقصى، والأقسى من ذلك هو أنه أيضا فسّر أرقام أجيال المعالج بأرقام الهيكل المزعوم. فالثلاثة في Pentium3 تدل على الهيكل الثالث. أما الـ 4 وهي الدالة على الجيل الرابع والأخير من المعالج فهي بزعم أخينا نبوءة لهيكل رابع سيقيمه الإسرائيليون بعد أن يجمعوا المال الكافي من بيع المعالج إلى المسلمين! ومن أجل تقويض هذا التلفيق، نعود لقصة تسمية البنتيوم التي نشأت بعد نزاع قانوني بين الغريمين الرئيسيين في عالم المعالجات AMD و Intel، فـالأولى كسبت قضية ضد الثانية تجبرها على التوقف عن تسمية معالجاتها بأرقام مجردة حيث أن الأرقام لا يجوز أن تكون علامات تجارية. الحكم جاء في وقت كانت "إنتل" تصدر فيه المعالج الخامس من سلسلة 80x86 فأخذت من اليونانية القديمة البادئة Penta- والتي تعني خمسة وختمت الاسم التجاري للمعالج الجديد باللاحقة –ium المشتقة من Titanium وهو معدن شديد الصلابة مقاوم للتدهور.

على الفور، تذكرت الهوس المضحك الذي طفح به النقاشات بعد خطاب الرئيس الأمريكي جورج بوش والذي ذكر فيه - عمدا أو جهلاً - كلمة Crusade والتي ترجمها مترجم في ليلية نحسة خالية من ضوء القمر أو من ضوء المعرفة ناهيك عن نور التعقل على أنها "حرب صليبية." غلطة المترجم بألف، والجهل والاستجهال سيان لأن الطريق إلى سوء الفهم معبد بالنيات الحسنة الخالية من أسانيد معرفية. لغويا، يمكن لأي كلمة أن تحمل معنيين Denotation معنى حرفي، و Connotation معنى مجازي أو عرفي.وكلمة Crusade تعني حرفيا حربا صليبية، لكن معناها العرفي يعني حملة شعواء أو حملة ضروس لما حملته الحروب الصليبية من هذه الصفات. و يقال شن المرشح Crusade على الفقر أي شن حمله شعواء.
ومن أمثلة المعاني العرفية في اللغة العربية قول الخنساء عن أخيها صخر:
طويل النجاد رفيع العماد كثير الرماد إذا ما شتا
فعبارة "كثير الرماد" كناية عن الجود بإيقاد النار للإطعام، فتخيلوا الحالة العكسية بأن يترجمها مترجم عبقري إلى الإنجليزية على أنها Ashy! هذا الخطأ مثل ذاك. لكن الغلطة الترجمية الأولى جاءت لتتساوق مع المناخ العام المشحون المشجون.

شكرا للإنترنت لأنها منحتنا وسيلة سهلة لتحليل أنماط تفكير مفزعة، وعذرا مرتين لـ إنتل على هذا التفسير المشين و على استثمارها للكثير في إسرائيل لأنها لم تجد مناخا استثماريا عربيا ملائما وجديرا لانطلاقتها في الشرق الأوسط. لو تم ذلك، ربما لكان بإمكاننا أن نبني نحن هيكلا جديدا لعقلياتنا بدل الهيكل القديم السقيم، نبنيه من ريع العقلانية و من أفق منفتح وحاضن للاستثمار التقني المثمر.