http://www.nashiri.net/nashiri_images/EQT_P37_16-02-2005.jpg


حوار: عبد الله زايد
جريدة الاقتصادية،16 /02/2005، صفحة 37

أطلقت أخيرًا حياة الياقوت، المتخصصة في العلوم الإنسانية (دراسة أدبية)، العدد الأول من مجلة I-MAG وهي مجلة إلكترونية شهرية تصدر باللغة الإنجليزية، التي يمكن الحصول عليها مجانًا عبر شبكة الإنترنت، والتي جاءت امتدادًا لجهودها في مجال المعلوماتية؛ حيث لم تجد لديها خيارًا آخر غير التوجه نحو التقنية، لتترأس وتدير موقع "ناشري" على شبكة الإنترنت. وتميزت المجلة بإخراجها الفني، كما أنها صدرت بصيغة PDF التي يمكن طباعتها بحيث تظهر بشكل يطابق تمامًا شكل المجلة المطبوعة التقليدية، فضلًا عن إمكانية قراءتها على جميع أنواع الكمبيوترات، والأجهزة الكفية، وكمبيوترات الجيب، وحتى بعض أنواع الهواتف النقالة، "الاقتصادية" حاورت الياقوت وكان اللقاء على النحو التالي:

تخصصك ودراساتك كانت أدبية بحتة، وبرغم هذا توجهت نحو المعلوماتية والكمبيوتر، فهل قمت ببناء وتصميم موقعك "ناشري" بجهودك الذاتية، أم هناك فريق عمل ساعدك في إخراج هذا المشروع؟
- لست من الذين يسمحون لتخصصهم الدراسي أن يسجنهم، علمت وتعلمت أن أكون موسوعية الاهتمامات في هذه الحياة فالحكمة ضالة المؤمن، وعندي الجرأة والجلد أن أقفز لأي مجال أرى فيه ضالتي وأرى فيه عمارة للأرض التي استخلفنا الله فيها. منذ أن تعرفت على مجال تقنية المعلومات اتبعت طريقة التعلم الذاتي والمحاولة والخطأ في اكتساب الخبرة التقنية. في "ناشري" ولأن الحاجة كانت ماسة إلى برمجة تفاعلية، لجأت إلى استخدام مجلة "المبرمج العربي" أو "البوابة العربية" كما صارت تسمى حاليًّا، والتي برمجها الأخ رفيع العتيبي www.arabportal.net، وهي أول بوابة مبرمجة باللغة العربية. أما فيما يتعلق بالشق التحريري من الموقع، فطوال الفترة الماضية كنت أعمل فيه بمفردي، لكن مع تكاثر الآمال والأعمال بدأت منذ فترة قصيرة بطلب متطوعين، وبالفعل يوجد الآن هيئة تحرير للكتب الإلكترونية مهمتها مراجعة الكتب التي ستنشر من الناحية اللغوية والإملائية والتحريرية.


هناك أصوات تقول إن الإنتاج الإنساني الورقي بصفة عامة ينحصر أمام المعلوماتية والعصر الرقمي والإنترنت، فهل موقع "ناشري" تأكيد لمثل هذه الآراء؟
إذا أخذنا الموضوع من وجهة نظر التطور التاريخي تغدو الرؤية واضحة. فالورق كان الوسيلة الأسهل حملا والأوفر تكلفة والأطول عمرًا مقارنة بالوسائل الأخرى، مثل رقاع الجلد أو الألواح الطينية. وعندما جاءت البيئة الإلكترونية وفرت مميزات فاقت مميزات الورق، وصار من المنطقي أن تكون الوسيلة المثلى لتسجيل المعرفة الإنسانية. حس النطق وحس التاريخ يقول إن على أولئك الورقيين أن "يتأكترنوا" فناشري أول الغيث ومن ورائه وفير من التغيير بإذن الله.


بعد تفاعلك في الوسط الإلكتروني، ما واقع المجتمع المعلوماتي العربي من وجهة نظرك؟
هنالك فجوتان تنخران في عظم المجتمع المعلوماتي في العالم العربي، الأولى هي الفجوة الرقمية العامة وتتمثل في عدم توافر وسائل تقنية المعلومات أو المعارف التقنية لكثير من الفئات وهذه الفجوة يسهل ردمها، أما الفجوة الثانية وهي الأخطر لأنها لا تظهر على السطح ولا يلتفت لها إلا فيما ندر وهي الفجوة الاستعمالية، فكم من مستخدمي التقنية تتوافر لهم أجهزة على أحدث طراز وشبكات اتصال فائقة السرعة ورغم ذلك تظل أنماط استخدام التقنية لديهم وليدة وأمية. ألا تلاحظ الشباب الذين يقضون ساعات في الدردشة الإلكترونية أو اللعب الجماعي على الشبكة ويعجزون في ذات الوقت أن يستخدموا الإنترنت كوسيلة تثقيفية. هذه الهوة أصعب رصدا وأكثر إيلاما. نلاحظ من خلال مواقعك على الشبكة أن لديك اهتمامات تقنية، فما طموحاتك في هذا الاتجاه؟ لا أعتقد أن لدي خيارا آخر سوى أن ألتفت إلى كل ما هو جديد تقنيا. طموحاتي أن يتحول شغفي بالتقنية إلى مرحلة إنتاجية، وأن نكون من مبتكري ومنتجي التقنيات لا مستهلكين ومجترين لها وحسب. أعلم جيدا أن المعرفة التقنية وحدها لا تنفع دون خلفية معرفية لتطويع التقنية من أجل خدمة المجتمع. وهذا هو الفارق بين تقنية المعلومات Information Technology والمعلوماتية Informatics.


يقول البعض إن بيئة العمل على الكمبيوتر تناسب تماما خصوصية المرأه الخليجية، فما هي وجهة نظرك؟
الكمبيوتر كجهاز أضحى جزءا لا سبيل لإنكاره من أي عمل سواء أكان عملا مكتبيا أو غير ذلك، أما إذا كنت تقصد العمل عن بعد أو العمل من المنزل، فدعنا نكون صرحاء فنحن نتكلم كثيرا عن بشائر التقنية لكننا نرى القليل، فمازلنا في العالم العربي لا نفهم - فدع عنك أن نطبق - الدراسة عن بعد والعمل من المنزل مما زال لدى الكثير من أرباب العمل في الدول النامية توجسات. أعتقد أن علينا أن نثق في قدرات التقنية أكبر وأن نكسر الأنماط، ومن دون شك أن نطور شبكات الاتصال وتقنياته لتكون في متناول الجميع.


كيف انبثقت فكرة إنشاء موقع " ناشري" على شبكة الإنترنت؟
لفرط ما سمعته من أساتذتي عما تفعله دور النشر بهم جزعت يومها وقلت في نفسي، ماذا عن المستقبل؟ ماذا لو أردت نشر كتاب لي؟ سليت نفسي بالقول ساخرة: "بسيطة، سيكون لي ناشري الخاص بي." في بضع سنين استعرت كلمة من عبارتي الساخرة تلك: "ناشري". كانت سنتي الأولى في دراسة الماجستير في مجال علوم المكتبات والمعلومات على وشك الانقضاء وقد تعلمت الطرائق النظرية والعملية لتنظيم المعرفة ونشرها وكيفية الاستفادة مما يقدمه عالم الـ"سايبر" كوسيلة للإمداد المعلوماتي، فاشرأبّت في ذاك الصيف الفكرة مجددًا وبإلحاح. أنهيت تصميمي لموقع الدار في بضعة أيام وأخذت أدعو من أعرف من الكتّاب للانضمام له وهم بدورهم تحمّسوا ودعوا من يعرفونهم للتفاعل. في بداية الحلم كنت أقضي ما يقرب 14 ساعة من العمل اليومي من أجلها، وها هي تـَـبـرُ بي وتؤتي أُكـُـلـَها. يوم أنهيت تصميم موقع الدار وحملته على الشبكة نظرت إليه وقلت: "أمام ستة أشهر تثبت كفاءتك وإلا ستكون أثرا بعد عين". عيني تقر بناشري اليوم ولكن طيف المتنبي يلازمني فأقول:  أريك الرضا ولوأخفت النفس خافيًا ××× وما أنا عن نفسي ولا عنك راضيا. الطموحات تطوقني من كل جانب، وكذلك كثير من الأمل والعمل. أسعى لتوسيع المجالات التي تغطيها الكتب الإلكترونية، وعقلي يزدحم بالآمال ابتداء من إصدار كتب مسموعة وحتى إصدار معجم عربي - عربي يسد السغب اللغوي الذي نعاني منه.


كم يبلغ عدد مشتركي موقع "ناشري" على شبكة الإنترنت؟ وما هي تخصصاتهم ومستوياتهم الأكاديمية والثقافية؟ وكم يبلغ عدد الكتب الإلكترونية التي يحتويها الموقع؟
يقرب عدد كتّاب دار ناشري قرابة المائة كاتب من معظم الجنسيات العربية ومن عرب المهجر أيضا، نشروا حتى الساعة 105 كتب وما يربو على الـ 1500 مقالة. تتنوع خلفيات كتّاب الدار فكل يكتب في مجال تخصصه، والكتب الإلكترونية تعكس هذا التنوع فتجد المجموعات الشعرية والروايات إلى جانب أدب الأطفال وكتب السياسة والتراث الشعبي والرياضيات وحتى التصوير الفوتوغرافي.


هل هناك أهداف تجارية من خلال هذا الموقع؟
دار ناشري غير هادفة للربح وكل ما يقدم فيها يقدم للقارئ مجانا.


هل تواجهين مشكلة بالنسبة للحقوق الفكرية أو الأدبية من خلال الموقع؟
هنالك عملية اهتمام عميق وجدي بموضوع حقوق الملكية الفكرية في دار "ناشري"، ونشترط أن تعود حقوق النشر لكل المساهمات والكتب التي تنشر للدار أن تكون محفوظة للكاتب نفسه وليس لأي جهة أخرى. أعتقد أن هذه إحدى نقاط التميز لدى "ناشري"، فما أكثر المواقع التي تدعي أنها مواقع ثقافية وهي مجرد أكداس مقرصنة مثيرة للشفقة من مقالات تنقل من مواقع الصحف اليومية ومن المواقع الثقافية الأخرى دون الحصول على استئذان مكتوب أو الإشارة للمصدر.


تطور مشروعك إلى إصدار مجلة شهرية إلكترونية متخصصة باللغة الإنجليزية، هل تحدثينا عن أهدافك منه؟
منذ سنوات وأنا أحمل هما يخيفني؛ أتساءل عن أولئك الذين لم تصلهم رسالة الإسلام بشكل صحيح، عن الذين لم تصلهم سوى نسخة "مقرصنة" من الإسلام لا تعرف سوى الهدم. كنت أتساءل عن معنى الآية "وَمَا كُنا مُعَذبِينَ حَتى نَبْعَثَ رَسُولاً" كنت أتساءل عنهم أولئك الذين لم تصلهم رسالة المصطفى صلى الله عليه وسلم. هل يعقل أن ألا يطولهم العذاب لأن الرسالة لم تصلهم بشكل جيد وجدي. نعم، ممكن وفقا لمضمون الآية. لكن هل من الممكن أن أكون أنا وأنت وأنتم المسؤولين عن عدم وصول الرسالة إليهم؟ بقليل من العمليات الحسابية نعم ممكن جدا. وبالتالي من الممكن أن تتساوى درجة واحدنا في الجنة مع شخص لم يصل لله ركعة فقط لأنه لم تصله الرسالة بصورتها النقية وفقط لأننا تعاجزنا أن نوصل لهم الأمانة التي تركها الله ونبيه في أعناقنا. كنت ومازلت أحمل هما عن إخوتي الذين دخلوا في الإسلام ولا يجدون من يد لهم يد العون المعرفي الثقافي الديني. كنت ومازلت أحس بمسؤولية كبرى تجاه هذين الفئتين. في الحادي والعشرين من كانون الأول (ديسمبر) الفائت شاهدت على التلفاز أحد المسلمين الغربيين الذين مضى على إسلامهم وقت طويل يقرأ آيه من القرآن الكريم فتعثر واضطر إلى الرجوع لأوراقه ليقرأ بشكل سليم ورغم ذلك لم ينجح إلا في المحاولة الثالثة. دخلت في نوبة من البكاء العميق فورا ولم أستفق منها إلا وأنا أضع خطه لمجلة ازمI-MAG التي صدر العدد الأول منها في أول يوم من شباط (فبراير) .2005 لا تسلني كيف يمكن أن توضع خطة لمجلة جديدة ويتم اختيار هيئة التحرير وجمع المواد تصميم المجلة وإخراجها وتصميم موقعها على الإنترنت في 42 يوما فلست أدري، لكني أدرى أن المصطفى صلى الله عليه وسلم قال "اليد العليا خير من اليد السفلى". في I-MAG اخترنا أن نكون يدا عليا، ويد الله مع الجماعة ولها. لذا نهدف من المجلة إلى تقديم محتوى متنوع للقارئ المسلم الناطق باللغة الإنجليزية، وكون هذا المحتوى متنوعا تشكّل المجلة فرصة للقارئ الغربي ليفهم الكثير عن الإسلام. أضف إلى ذلك أننا نود أن نسمع أيضا كيف يرانا الغربيون، وتوجد زاوية مخصصة يطرح فيها الغربيون آراءهم. البعض عندما يقرأ تعريف المجلة بنفسها كونها إسلامية يعتقد أنها مجلة فقهية ويستغرب وجود أقسام منوّعة تتحدث عن الطب والتصوير الفوتوغرافي وغيرها، وهذا هو الحاجز الذي نريد كسره عند القارئ، فالإسلام قادر على تقديم الكثير في كل مجال حياتي، وهذه هي الرسالة التي نسعى لإيصالها بلغة هادئة، هادية، موزونة، والأهم من كل هذا موضوعية. وما هي ردود الفعل على العدد الأول منها؟ المجلة تصدر بصيغةPDF وتم تحميل العدد من قبل قرابة 400 قارئ، وهذا عدد معتبر آخذين بعين الاعتبار قصر المدة التي تم الترويج للمجلة فيها، وكون المجلة جديدة لا تملك قواعد سابقة من القراء. ردود الفعل جد مشجعة، ونتلقى الكثير من الثناء على محتوى المجلة أو تصميمها مما يدفع الفريق إلى الحفاظ على هذا المستوى بل وتجويده.


ما الآلية التي تم اتخاذها في عملية توزيع المجلة واستقطاب أكبر عدد من الكتاب والقراء، وكيف تقيمين تفاعلهم من خلاله؟
الفترة الفاصلة بين لمعان فكرة المجلة وصدورها فترة قياسية، وبالتالي عمليات الاستقطاب لم يكن مخططا لها بل نتجت من عمليات عصف ذهني، وآليات الترويج تراوحت من الإعلان في المنتديات وامتد إلى وضع إعلان للمجلة في بعض محلات التسوّق. التفاعل فاق توقعاتنا ومازلنا نطمح في المزيد خاصة أننا لم نركز على القراء غير العرب في حملتنا الترويجية للعدد الأول ونطمح لاستقطابهم بصورة أكبر.


ما طموحاتك المستقبلية سواء في موقع "ناشري" أو مجلة I-MAG وهل هناك أعمال تقومين بتطويرها حاليا؟
الطموحات تطوقني وأسعد بها. أطمح أن يكون "ناشري" مقصدا لكل ساغب إلى المعرفة وأتمنى أن أقدم مستقبلا شيئا يخدم اللغة العربية وتطورها. نحتاج إلى معجم عربي-عربي ونحتاج إلى المزيد من الدراسات في اللهجات وارتباطها بالفصحى، أتمنى أن يقدم "ناشري" مستقبلا شيئا في هذا المجال. بالنسبة لـ I-MAG آمل أن تتوسع أبوابها فكونها مجلة إسلامية لا يعني أنها محصورة بقضايا الفقه أو الفتاوى كما يظن البعض. الإسلام يدخل في كل جانب من حياتنا، ولذلك آمل أن يكون في المجلة باب لكل ما يهم القارئ يقدم محتوى رصينا يبرهن بصورة عملية أن الإسلام يمكنه تقديم البديل في كل مجال.


من المعروف أن الدعم المادي هو العامل الأساس في نجاح أي مشروع مهما كان نوعه، فمن أين تلقى موقع "ناشري" هذا الدعم، خصوصا أنه يقدم خدماته مجانا؟
يقول الرسول صلى الله عليه وسلّم "أفضل الصدقة سقي الماء". المشكلة طبعا أن نفسر النصوص بحرفية قاتمة، فالعطش في منطقتنا ليس عطشا للمياه بقدر ما هو عطش للمعارف. أعتقد أننا نحتاج أن نوسع مفاهيم الوقف والصدقة لتشمل الصدقة المعرفية والوقف المعرفي. أعتقد أن استقلالية التمويل في ناشري و I-MAG ميزة مهمة، فلا معلن يسلط سيفه على رقبة المواد المنشورة، ولا سلطان سوى سلطان الخشية من الله ولا حاكم سوى الضمير. سعدت بأن تواصلت مع القارئ السعودي الذي أعرف عنه أنه يثمن المعرفة ويسعى لها، مع كل تمنياتي ألا تكون هذه هي النافذة الأخيرة للتواصل معه.

لمزيد من المعلومات عن موقعي "ناشري" والمجلة الإلكترونية:

www.nashiri.net
www.nashiri.net/imag

 

- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

لقراءة اللقاء بصيغة PDF:
http://www.nashiri.net/imag/EQT_P37_16-02-2005.pdf