حياة الياقوت «كاللُّولُو»

طالب الرفاعي

المتأمل في مشهد الساحة الإبداعية الكويتية، يرى عدداً غير قليل من النتاج الروائي الشبابي. وهذا شيء يبعث على الفرح والتفاؤل. لكن عدداً قليلاً من هذه الكتابات يشير بوضوح إلى موهبة صاحبه، وإخلاصه في جهده، وجديته في التعامل مع مادته الروائية، ومؤكد أن رواية حياة الياقوت «كاللُّولُو» في طبعتها الأولى الصادرة 2012، تدخل ضمن هذا العدد القليل!


«كاللُّولُو» تلج عالماً قلما تناولته رواية كويتية، وأعني بذلك عالم الطفولة. طفولة السنوات الأولى، المتمثلة في مرحلة الدراسة في رياض الأطفال، وهي إذ تخوض في هذا العالم الغض المليء بالخيلات والأفكار الساحرة والعجيبة، فإنها تستحضر كل ما صاحب هذا العالم من تفاصيل الحياة الاجتماعية في الكويت، من خلال عيون الطفلة «خيال»، إبان أعوام منتصف السبعينيات من القرن الماضي وحتى الغزو الصدامي الآثم. ويبدو عالم الأسرة الكويتية بتفاصيله الحميمة الخلفية الأجمل في الرواية، مما يجعل من الرواية توثيقاً ذكياً وصادقاً لتفاصيل حياة اجتماعية غابت معظم مظاهرها عن يومنا الراهن.
قسّمت حياة الياقوت روايتها إلى خمسة أجزاء هي: غيوم جذلى تتبدد، ومرتفع ش/جوي، وغبار عالق، والرؤية متعذرة، وريح السموم، كما أنها قامت بتسمية المشاهد داخل كل قسم. وهي إذ تأخذ القارئ إلى مغامرات الرواية عبر وعي الطفلة خيال، فإنها تطعّم الرواية بخط آخر يتمثل في مقتطفات من «مذكرات بابا جاسم» وهي مقتطفات تسلط الضوء على الحدث الذي تعيشه الطفلة خيال، لكن من زاوية أخرى، بوعي مغاير ومتقدم ومنفتح على ما هو إنساني، مما أضاف بعداً اجتماعياً مهماً لأجواء الرواية، خاصة وأن مذكرات بابا جاسم كانت بمنزلة الكاميرا التي صوّرت وحفظت لنا جزءاً من ذاكرة المجتمع الكويتي، في حراكه الاجتماعي خلال تلك الفترة.


الرواية تأتي بنص متن، نص أساسي، هو حكاية الطفلة «خيال» مع المدرسة وفصول ومواد الدراسة وعلاقتها بزميلاتها ومدرِّساتها وكذلك أبيها وأمها وسر مرض أبيها، وشكّها الطفولي وهواجسها بعلاقة أبيها بالدكتورة استقلال أم زميلتها. كل هذا يأتي إلى جانب نص حاشية، نص مجاور يقدم رؤية وقناعات لشخصية ليس لها من ظهور في الرواية إلا كتاباتها التي أطلقت عليه الكاتبة «من مذكرات بابا جاسم»، وربما عُدَّ ذلك حسنة للرواية في انها تقدم عوالم إحدى الشخصيات من خلال كتاباتها.


الرواية مكتوبة بصيغة ضمير المتكلم، ومن المفترض أن المتكلمة هي الطفلة خيال، لكن بعد أن تعدّت العشرين من عمرها، وأصبحت دكتورة. والقارئ إذا يعايش مشاهد الرواية، يشعر أحياناً أن بعض المشاهد المكتوبة بعيون الطفلة تنمّ عن وعي متطور لا يتآتى لطفلة. مع العلم أن الرواية مكتوبة بحميمية كبيرة، وبتفاصيل طفولية تشمل ألعاب الأطفال وأسماءها وأهم ما يشغل بالهم حيال اللعبة، وكيف أن الألعاب تشكّل في مخيلة الطفل حياة أخرى لا تقل أهمية عن حياته الحقيقية. إضافة إلى نقطة مهمة، وهي أن كل المناسبات والأماكن مكتوبة كأقرب من تكون إلى الواقع، والواقع الكويتي تحديداً، وبما يوثق لفترة مهمة من فترات المجتمع الكويتي.


الكثير من الأعمال الكويتية الروائية الشبابية يغلب عليها الجملة الركيكة إن في صياغتها أو في مدلولها، لكن جمل «كاللولو» مسكوبة بشكل صحيح، ولو أن المنحى الديني الوعظي يظهر جلياً في بعضها، إلا أنه يُحسب لحياة الياقوت عشقها للغة وحرصها على كتابة جملة عربية صحيحة، بعيداً عن العامية وبعيداً عن الأخطاء النحوية البائسة!


رواية «كاللّولو» تبشر بميلاد كاتبة واعدة، لاسيما أن حياة الياقوت مهمومة بشأن الكتابة، وهي رئيسة تحرير دار ناشري الإلكترونية، أول دار نشر ومكتبة إلكترونية مجانية في الوطن العربي.

 

نشرت في جريدة الجريدة، عدد 19 نوفمبر 2013، صفحة 22.

الرابط النصي

رابط نسخة الـ PDF