جريدة الحياة، 2 أكتوبر 2018، صفحة 18.
شكّل رحيل الروائي الكويتي إسماعيل فهد إسماعيل فاجعة للأوساط الأدبية الخليجية والعربية، كونه أحد أهم صناع الرواية العربية، ويعد من القامات الأدبية المشهود لهم بالتفرد والمثابرة في الكتابة وإنجاز العمل تلو الآخر. أثْرت أعمال الراحل المشهد الإبداعي الخليجي والعربي. ومنذ رحيله الثلثاء الماضي وردود الفعل لم تنقطع تعبيراً عن الحزن والأسى وحجم الخسارة، من مثقفين خليجيين وسواهم. وأكد عدد من هؤلاء الكتاب الخليجيين لـ«الحياة» فداحة الفقدان برحيل صاحب بعض أهم الروايات الخليجية والعربية.
يقول الدكتور حسن النعمي: «الروائي إسماعيل فهد إسماعيل كان أحد أهم صناع الرواية في الربع الأخير من القرن العشرين، كتب الرواية بطريقة مختلفة، قوامها تكثيف اللغة، وتقديم تجارب أزمة الإنسان العربي السياسية، ومن أهم رواياته (عندما كانت السماء زرقاء)، التي تعتبر من الروايات التي تستخدم التكثيف اللغوي بجدارة فائقة، وأوصي بإعادة قراءة إنتاجه ثقافياً وأكاديمياً».وأضاف الدكتور النعمي: «كان من أوائل من قرأتُ لهم وتأثرتُ بهم في أواخر السبعينات الميلادية، تعلمتُ منه كيف أن لغة الرواية تلملم شتات الخيال لتصنع عالماً مختلفاً ومدهشاً».
بدأ حياته الروائية نجماً
بدوره، قال الروائي طالب الرفاعي لـ«الحياة»: «لست في مكان أو موقف أن أقيّم أعمال إسماعيل فهد إسماعيل، وأنا ضد عملية التقييم، ولكن ما يمكنني قوله هو أن إسماعيل الروائي الكويتي العربي بدأ حياته الروائية نجماً حينما نشر روايته الأولى (كانت السماء زرقاء) عام ١٩٧١، وقدّم لهذه الرواية الشاعر المصري الكبير صلاح عبد الصبور عندما قال هذه الرواية لافتة ومغايرة، وتأتي من الشرق لتقدم مقاييس مختلفة للرواية العربية، وهكذا دخل إسماعيل فهد إسماعيل إلى عالم الرواية كبيراً معترفاً به، وبالنظر إلى أعمال إسماعيل لم تكن أعماله حكراً على الكويت على رغم كونه كويتياً، فهو كتب عن العراق ومصر ولبنان وسيريلانكا وأيضاً الفليبين، وبالتأكيد كتب عن قضايا بلده. ما يمكن التوقف عنده بشكل لافت هو البعد الإنساني في أعمال إسماعيل في كل ما كتب بدءاً من (البقعة الداكنة) المجموعة القصصية اليتيمة التي كتبها، وكان إسماعيل إلى جانب الإنسان المظلوم والمهزوم والمنكسر».ويلفت طالب الرفاعي إلى أن إسماعيل «نذر حياته وقلمه للوقوف إلى جانب القضايا العادلة وقضايا المرأة والحرية والديموقراطية والطفولة، وما يجمع هذه القضايا هو المنظور الإنساني الذي تحرك منه إسماعيل. لذا مؤكد أن أعمال إسماعيل فهد إسماعيل، وهو غزير الإنتاج، فقد كتب 40 رواية، ستجد بقاءها انطلاقاً من بقاء قضايا الإنسان، وستجد حضورها من عشق إسماعيل للتجديد على مستوى اللغة وعلى مستوى النص. والرواية في الكويت والخليج والعالم العربي فقدت روائياً مخلصاً لجنس الرواية والكتابة مثل الكاتب الأميركي فيليب روث الذي نذر حياته للكتابة، إسماعيل نذر حياته للكتابة، ولا يسعني إلا أن أعزي نفسي والشعب الكويتي والرواية الخليجية والعربية برحيل أستاذي وخالي الروائي».
تشجيع المواهب الصاعدة
فيما ذكرت أمينة سر رابطة الأدباء الكويتيين الروائية حياة الياقوت في حديثها لـ «الحياة» أن رحيل عميد الرواية الكويتية إسماعيل فهد إسماعيل «كان مفجعاً ومؤلماً لكل الأدباء، فالراحل كان مدرسة أدبية تمشي على الأرض». وقالت الياقوت: «فضلاً عن غزارة إنتاجه الكتابي، وتغطيته قضايا عدة، يتميز إسماعيل فهد إسماعيل ما يمكنني تسميته بالجسارة الأسلوبية، فهو يعتمد أسلوب التجريب الروائي، ويفاجئ القارئ بأساليب فنية قد لا تكون شائعة. وهذا أمر لا يفعله إلا الأديب الحقيقي المخلص لأدبه وفنّه، لأن اعتماد أساليب جديدة على القارئ قد يقلل من الشريحة القرائية للكاتب، وهو أمر يهابه كثير من الأدباء. والأهم من هذا كله أنّ كل من عرف أبا فهد يشهد بأنه كان يبادر إلى تشجيع المواهب الصاعدة. وأتذكر أني في بداياتي فوجئت برسالة منه يثني فيها على روايتي ويذكر انطباعاته عنها. هذا، على رغم أني لم ألتقه شخصياً، لكنه بادر باقتناء روايتي وقراءتها وأرسل لي رأيه. كانت هذه دفعة رائعة لي ليس للاستمرار في الكتابة وحسب، بل دفعة للتيقّن أن الأديب العظيم لا يكون كذلك إلا بالتواضع وحسن الخلق».وأعربت عن سعادتهم في رابطة الأدباء «بأن قدّم الأديب إسماعيل ورشة ممتدة بعنوان (تقنيات السرد واللغة) استمرت بضعة أشهر، صقل فيها الفقيد مواهب المشاركين إلى أن نشروا أعمالهم الأدبية في كتب».
أعماله أثرت المشهد والمكتبة العربية
من جانبه، قال الأمين العام لرابطة الأدباء الكويتيين طلال الرميضي: «لا شك في أن الروائي إسماعيل هو من القامات الكبيرة التي أثرت المكتبة العربية بأعمالها الروائية، وقدّم الكثير من الأعمال المميزة، وهو رائد الرواية الكويتية، وكان مثالاً جميلاً للأديب الخليجي، وقدوة حسنة للكتّاب الشباب. ونذكر أن رابطة أدباء الكويت نظمت دورة عن فن كتابة الرواية عام 2016 وقدمها إسماعيل للكتاب الشباب، وحصدت الكثير من القبول والنجاح، وكانت مجانية وهى لشباب منتدى المبدعين التابع للرابطة بإشراف ودعم من الشيخة باسمة المبارك العبدالله الجابر. وإسماعيل كان سمحاً في التعامل وسلساً، وأشرف على باقة جميلة من الكتاب الشباب، حتى استطاع بعضهم إصدار أعمالهم الروائية تحت إشرافه ومتابعته فكانت أعمالاً جميلة جداً، وهو حقيقة كان متعاوناً جداً ولطيفاً في الأخلاق والسلوك، والحديث معه لا يمل منه». وأكد الرميضي: «تلقيت خبر وفاته بكل صدمة وألم وحسرة، وأنا كنت أترأس الوفد الكويتي المشارك في ملتقى الراوي الذي نظمه معهد الشارقة للتراث في الإمارات، وكان الخبر صادماً، ونسأل الله الرحمة والغفران لهذه القامة الكبيرة والصبر والسلوان لأهله ومحبيه».وتقول الكاتبة والروائية الإماراتية أسماء الزرعوني: «رحيل أي كاتب ومفكر يترك فراغاً كبيراً في الثقافة، والروائي الكبير إسماعيل فهد إسماعيل عرفناه روائياً اكتسح الساحة الخليجية بكتاباته الروائية، فقد أضاف للمكتبة العربية إرثاً غنياً من إبداعاته، لقد فقدنا قلماً كان يسير في سماء الإبداع متجلياً بحروف سكنت عقول كل محبي فن الرواية». ونوّهت إلى أن «القصة نالت نصيبها من قلم وفكر إسماعيل فهد إسماعيل، وأشارت إلى أن الراحل موجود بين المثقفين والأدباء حتى لو رحل بجسده، إنما خسرنا قلماً كان بإمكانه أن يزودنا بثروة فكرية أكبر، رحم الله إسماعيل فهد إسماعيل ونعزي كل المثقفين برحيله». بدوره قال الروائي ماجد سليمان: «الموت نهاية كل حي، وهذا لا يعني أن ننسى حياة غنية بكل وهجها لمجرد أن صاحبها انتقل إلى دار الحق، أبلغني أحد الأصدقاء من الكويت برحيل إسماعيل رحمه الله، فاهتزّت مشاعري لحظتها، كنت قبل أيام انتظر صدور عمله الجديد (صندوق أسود آخر)، الذي نوّهت عنه إحدى الجهات الإعلامية. لم يكن - رحمه الله - تقليداً أو مُقلّداً، بل عاش أديباً من الطراز الرفيع الغزير المتنوّع في إنتاجه، والمتفرد في خطّه الإبداعي الذي اختطّه لنفسه من بداية مشواره، حيث كان الإنسان محور أعماله، كما لم يقتصر أدبه على الرواية وحدها، بل تجاوز ذلك إلى المسرح والقصة وغيرهما، فقد شكّل لتجربته خصوصية أبرزته في مشهدنا الأدبي المعاصر، مؤكداً بذلك أننا أمة ما زالت ولّادة بالمبدعين المنتجين ما هو مختلف، والجالبين ما هو ثمين، فعلى مستوى عالمنا العربي يقف إسماعيل في مصاف نجيب محفوظ وعبدالرحمن منيف وإبراهيم الكوني وغازي القصيبي وإبراهيم نصر الله وواسيني الأعرج وغيرهم من أدبائنا الأفذاذ». واقترح الروائي سليمان إدراج أهم أعمال الروائي إسماعيل فهد إسماعيل كنماذج فريدة تُدرّس في الجامعات العربية، وأن تقوم إحدى دور النشر الجادة بنشر (الأعمال الكاملة) في مجلدات عدة حتى يسهل الوصول إليها، وأن تتولى جهة حكومية ترجمة مجمل أعماله إلى لغات عدة.