من ذا الذي قدّد البيان: أخطاء وخطايا لغوية مصورة للكاتبة حياة الياقوت - عرض الكتاب: عزة مندو
نشر في موقع DET في 25 إبريل 2018.
حقاً من ذا الذي قدّد البيان؟
سؤال يلفت انتباهك عند سماعك لعنوان الكتاب أو رؤيتك له، لتحثّ عقلك محاولاً البحث عن إجابة؟
لَكِن مهلاً؟ ما هو البيان الذي قصدته “حياة الياقوت” قبل معرفة مَن الفاعل ومَن ذا الذي كان سبباً في تصدّعه؟!
بعد قراءتك للكتاب ستكتشفُ بأنّ البيان المشار إليه في العنوان هو “بنيان” لغتنا العربية الشامخة التي ما فتئ “معظم” الناطقين بها يساهمون في تقديد أوصالِه بعمدٍ أو غير عمد، بشكل مباشر أو غير مباشر، من خلال أخطائهم اللغويّة، الإملائية أو النحوية القاتلة، فكانت “حياة” لهؤلاء ولأخطائهم بالمرصاد، وكان هذا الكتاب المختلف بفكرته وأسلوبه المبسّط وطريقة عرضه الطريفة متفرّداً عن باقي الكتب الأخرى التي تتناول الحديث عن اللغة العربية بطريقة صعبة تُشعِر البعض ممّن يريد الاغتراف من كنوزها بالتعقيد والنّفور رغم جمال ألفاظها وغناها بالمعاني والمفردات.
قُسّم الكتاب لثلاثة فصول:
1- مختار الأخطاء.
2- أخطاء إملائيّة.
3- التّرقيم والتّسقيم.
التقطت “حياة” في الفصل الأول بعدستها صوراً لإعلانات، ولافتات، وقصاصات من الصحف ومنشورات احتوت أخطاءً لغوية، وعَنْوَنت كل خطأ بأسلوب طريف يعين على التمييز “لا شعورياً” بين الخطأ والصواب لغوياً، كتبويب “مجزرة حروف الجر” و “انفطار الأساليب ” و “انتبه! هناك من يشوي جينزك؟” و “مبيوع ومبيع” و “هواة حرف الياء” و “اصطياد النون”، وعمدت في كل تبويب إلى تبيان الخطأ في كل صورة وتصويبه مع شرح مبسّط للقاعدة في محاولة لتجنّب القذى اللغويّ الذي يهاجم أعيننا ليل نهار في الشوارع والصحف والشبكة العنكبوتية وفي وسائل التواصل الاجتماعي.
أمّا الفصل الثاني فلم يكن أقل إثارة من الأول، فهو يستعرض أهمّ الأخطاء الإملائية كالتمييز بين الألف المقصورة والممدودة، ويتناول أمثلة مصوّرة التقطتها “حياة” بآلة التصوير وأدرجتها ضمن تبويبات بسيطة كـ ” زواج التاء والهاء” و “الواو ومثيلاتها” و “مسافة يا عباد الله!” و “الرِجيم والرَجيم” و ” ما كل ما يكتبه المرء ينطقه”.
ثم لا تلبث أن تصحبنا “حياة” في رحلة ممتعة مع الهمزات كهمزتَي الفصل والوصل -كما تحبّ أن تسميهما – والهمزات المتوسطة والمتطرفة وهل لهاتين الهمزتين علاقة بالسياسة من قريب أو بعيد!
فالهمزة المتوسطة لا تنتمي لحزب من أحزاب الوسط مثلاً، والهمزة المتطرفة لا علاقة لها بأي شكل من أشكال التطرف لا سمح الله، الأمر وما فيه هو أن بعض مبادئ عالم السياسة تتجلّى في عالم الهمزات، حيث نكتشف ضمن هذا التبويب كيف تؤثر موازين القوى اللغوية على الهمزات، وكيف تحدث الثورات اللغوية؟
اختُتِم الكتاب بالفصل الأخير الذي حمل عنوان “الترقيم بدلأً من التسقيم” الذي لا يختلف عن سابقَيه بطرافته وروح الفكاهة فيه محاوِلَة الكاتبة شرح وظيفة كل كائن من تلك الكائنات الصغيرة واللطيفة والمفيدة ومكان استخدامها كي نتجنب اقتراف الخطايا الترقيمية، وكي لا تتحول علامات “ترقيم” النص إلى أدوات “تسقيم” وإمراض له.
فكما احتوى النص القرآني على علامات وجوب الوقف، والنهي عن الوقف، وأولوية الوقف، وأولوية الوصل لاستشعار معاني الآيات والحالة النفسية والاجتماعية والعقلانية والحوارية المتجسدة في سياقها فقد احتوت اللغة العربية على علامات ترقيم أيضاً.
فلطالما كانت اللغة كائناً محكياً بالدرجة الأولى، وجاءت الكتابة بعد ذلك كنوع من التجريد. فكان لا بد من استخدام علامات الترقيم كبدائل لتبين مواضع الوقوف وبعض تعبيرات الصوت.
ولم تتجاهل “حياة” ثورة التطور التكنولوجي الذي نعايشه اليوم – شئنا أم أبينا – وما يرافقه من علامات ولدت من رحم برامج المحادثة الالكترونية، فصارت أمراً واقعاً، فأفردت لها تبويباً مستقلاً ضمن علامات الترقيم والتسقيم وأسمتها “علامات المشاعر”.
من يقرأ الكتاب ويمعن النظر في هذه الأخطاء ومن ثم يكتشف الصواب، يدرك كم نحن مجحفون بحقّ لساننا العربي! كيف لا؟ وهذا الكتاب يأتي كمساهمة في تقويم البنيان الذي تكسّر على ألسنتنا! فكم من جرائم لغوية اقترفناها دون أن ننتبه لها.
فلنقرأ ولْننتبه ولنصحح، وإلا … سنكون بحقّ “نحن مَن قدد البيان” !