قيل لها ان المرء يكون مدمنا على الإنترنت اذا بالغ في التحقق من وصول رسائل جديدة في صندوق بريده الإلكتروني، فكلما حاول التحقق يجد العبارة الصادمة: "صفر رسائل". لم يردعها هذا الرأي، و لم يردعها ايضا انغماسها المطبق في الدردشة مع اكثر من شخص في ذات الوقت من اختلاس نظرة بين الفينة و الاخرى لعل رسالة تصل، و ها هي: رسالة جديدة. ضغطت بسرعة البرق حابسة نفسها فهي لا تعرف سر هذه اللذة، حتى لو كانت الرسالة سخيفة او عابرة او مزعجة، "هنالك من تذكرني على الاقل و لو بالسنة مرة" هكذا ترد.

شغفها منعها من قراءة عنوان الرسالة المكتوب باحرف لاتينية، فيبدو ان صاحبها لم يملك لوحة مفاتيح عربية، " من قال ان الجواب يقرأ من عنوانه؟ المضمون اهم" . تنتظر تحميل الرسالة، اصبح بامكانها الان ان تتنفس قليلا. يالخيبة الامل، الرسالة عبارة عن صورة ضوئية و هي بالطبع تستغرق وقتا اطول للتحميل، عادت لحبس انفاسها مرة اخرى، و حبس جام غضبها عن مزود الانترنت، فغضبها او عدمه لا يغير من رداءة الاتصال شيئا.

بدأت تحول النبش في مواقع اخرى، و ها هي الرسالة تكتمل، تتننهد بعمق. و اخيرا، القت نظرة على الرسالة و اذا بها صورة ضوئية عن مجلة، لم يستغرق الامر ثاتية واحدة لتحس بالفزع، فجأة احست بعطش شديد لهول ما رأت، الحل الوحيد لتخفيه كان ان تقوم بوضع يديها على شاشة الكمبيوتر حتى تهدأ. تتنفس كأن لم تتنفس في حياتها. يا الهي ما هذا؟ كائن فضائي؟ لم اتخيل ان يكون بهذه البشاعة. ماذا افعل الان؟ الامر و ما فيه ان صفحة المجلة المرسلة كانت تحقيقا يخبر عن ظهور المسيخ الدجال في احدى الدول مع صورة له و قائمة من الافاعيل المخيفة التي فعل.

"يا الهي، قيل لي انه اعور اي له عين سليمة و اخرى معطوبة، لم يقل لي احد انه لا يملك سوى عين واحدة في منتصف وجهه"، " ليس هذا هو الموضوع الان" لا تزال يدها المترتجفة على الشاشة. " كيف اتصرف؟". اخذت ورقة ملقاة بالقرب منها و غطت بها الشاشة. التقصت الورقة الخفيفة على الشاشة بفعل الشحنات الكهربائية. " الحل الوحيد هو ان اطفى الجهاز، عطل او لم يعطل لا اريد الشعور هكذا مجددا" اطفأت الجهاز. " زال الخطر، الآن، الاجراءات الاحترازية" تركض الى امها تقص لها ما رأت. " لا تكوني جبانة، الا تعليمن ان من يحفظ و يواظب على قرأءة اول و اخر عشر ايات من سورة الكهف يوميا يحمى من شر المسيخ الدجال؟" سكتت قليلا ثم قالت " هل علي ان اضيع الصيف في الحفظ؟ ام تخلق العطلة الصيفية كي نتسكع و نلعب ؟ لكن الامر يستحق المحاولة، فحتى في اقبح افلام الرعب لم يخترعوا شكلا كهذا!"

"الان من اين احصل على سورة الكهف؟" تعود الى امها " اين المصحف"،" لم تريدينه، لا تأخذين مني شيئا الا واضعته، لديك اثنان في غرفتك". اسرعت الى غرفتها ليس ثقة منها بمكان المصحفين، و لكن تجنبا لمحاضرة حول اهمية الترتيب. " الان اين اجدهما، ارجوك يا الهي ساعدني، الامر جدي هذة المرة" اعياها التعب الى ان انتبهت انها وضعت مصحفا على رف الزينة بالقرب من دمية مصنوعة من الخزف الصيني و مزهرية من الورد المجفف، كان الرف قرب النافذة. " و اخيرا وجدتك" اثار الغبار الذي غطى المصحف حساسيتها. " انه طقسنا اللعين، لقد غطاك بالغبار، ليس الذنب ذنبي، فعلي ان اضعك بقرب النافذة حتى تحميني من اللصوص الذين يتسللون من النوافد، اجل كلام الله يحفظ" اخذت تبحث عن سورة الكهف، احست بالكسل من ان تنسخ الايات العشر الاول و الاخر، و هنا قالت" يا لذكائي، لم لم ابحث على الانترنت، فبامكاني طباعة ما اشاء بدل النسخ الممل".

عادت الى قواعدها لتبحر، و يا لخيبة املها، فلم تستطع التعرف على موقع يتيم واحد للحصول على ايات من القران الكريم، رغم انها تعرفت على الانترنت منذ خمس سنوات، و رغم انها تطبع على لوحة المفاتيح بسرعات خيالية عندما تدردش مع احدهم. " ماذا يعني، لست ام العريف، هذا امر يعرفه المختصون لست مختصة" رفعت سماعة الهاتف لتسأل ابنه الجيران التي انهت السنة الثانية في دراسة هندسة الكمبيوتر، طلبت منها ما تريد دون ان تخبرها تفاصيل القصة فمازال توترها يسري. " لا اعرف في الحقيقة، دعيني ابحث و اخبرك باسم الموقع، ساعاود الاتصال"

عادت الى كمبيوترها، و لمعت الفكرة في دماغها، لم لا ارسلها لجميع من اعرف، اجل! صدقة جارية، و لي بكل حرف اجر. فتحت بريدها الاكتروني. " الان اين الرسالة؟ انا متأكدة اني لم الغها، ماذا كان عنوانها؟ لا يهم اعرف من ارسلها لي، ها هي" تقرأ العنوان و اذا به Khart Kosa (katheb was talfeeq)

خرط كوسى ( كذب و تلفيق)!

سرى الغضب في عروقها،كل هذا هذا الفزع من اجل تحقيق ملفق؟ " لو اني قرأت العنوان" مرت لحظات الى ان استعادت رشدها. لمحت ظل امها، " الان ستعطيني محاضرة عن الترتيب، سأعيد المصحف الى مكانه" اعادت المصحف الى مكانه السابق، على رف الزينة قرب النافذة. يرن هاتفها النقال مظهرا رقم ابنة الجيران. " اهلا،لا لا، لا عليك لم اعد احتاج الموقع في الحقيقة، و داعا"
عادت مسرعة لتجلس، "ضيعت الكثير من الوقت"، عادت لغرفة الدردشة بمواضيعها التافهه، لم تتعلم من كل هذا شيئا سوى ان عليها في المرات القادمة ان تقرأ العنوان. في اليوم التالي قبل خروجها الى احد الاماكن نفتح شباك غرفتها للتهوية رغم الجو المغبر، تقع عينها على المصحف، على رف الزينة، تشيح بنظرها بسرعة مدعية انها لم تره، تقترب من الباب، تلمس كمبيوترها بحنان و تخرج.

تعليق على قصة المسيخ الكترونيا لحياة الياقوت - بقلم الروائي عبد الباقي يوسف:
http://www.nashiri.net/news.php?action=view&id=150