ترى، ما سبب الاحمرار المفاجئ لكل شيء حولنا؟ هل صرت مهمّة إلى هذا الحد، فقرر الناس أن يسروني بكسو كل شيء بلوني المفضل خاصة وأن ذكرى يوم ميلادي اقتربت؟
انظروا حولكم أعزائي، كل شيء صار أحمر اللون في غضون ساعات، ولا أعني هنا أن الناس أظهروا "العين الحمراء" لبعضهم البعض، فهذا عصر العيون الحوراء، والحولاء أيضا. بعد التفكير، لعل الشوارع احمرّت خجلا من مستوى التعليم لدينا، ومن تردي الأخلاقيات، ومن فشل الإعلام، فقررت أن تحمر خجلا نيابة عنا؟
مهلا، أنه الرابع عشر من فبراير. وإذا كنت تعتقد أن الشوارع اكتست باللون الأحمر مؤخرا تضامنا مع حملة "قلوب طيبة" الحاثة على التبرع بالدم، فقلبك بلا شك طيب جدا، أطيب من اللازم حقيقة! القصة وما فيها أعزائي هي أن ذكرى العم "ڤالنتاين" تزورنا كالعادة. يا للملل!
إذا كان الأمر متوقفا على اللون الأحمر، فأني سأتواطأ وأصمت وأغض الطرف عن الجرائم التي ترتكب باسمه حيث أني أحب هذا اللون، رغم أن فرط استعماله وابتذاله سيجعلني أغير رأيي قريبا. لكن غريب فعلا أن أحد الأمور الشائعة في يوم ڤالنتاين، لم نستورده حتى الآن ولله الحمد. إنه كائن غريب الشكل، صار المتيمون يتيمّنون به رغم أن شكله يثير التعاسة، لكن ألم يقولوا أن الحب أعمى، وما أكثر عمى القلوب في عصرنا. هل سمعتم به؟ إنه "كيوپد"، المكابد في سبيل العشاق. ومن لا يعرف كيوپد، فأنه إله الحب وفق خزعبلات الرومان، وكثيرا ما يرسم على شكل طفل له جناحان يحمل قوسا وأسهما. ووفق الرومان، فإن "كيوپد" إذا رمى بسهمين على شخصين فأنها يقعان في الحب. في الحقيقة، أود أن أصدق ذلك، لكن الكذبة كبيرة جدا! لكن فلنحلم قليلا، ألا يمكن أن نتصرف مع الصغير "كيوپد" هذا، خاصة وأنه طفل صغير، يمكننا رشوته مثلا بزجاجة حليب أو بقطع من الشوكلاتة الفاخرة مقابل أن يستعمل سهامه على شبابنا وشاباتنا، فتحن قلوبهم وترق تجاه كتاب الله، وتجاه كل علم نافع، وعمل صالح، فيصيرون أعضاء نافعين في المجتمع بدلا من التسكع والتفاهة؟ ومن يستدل على مكان وجود "كيوپد" يخبرنا بذلك، وله من الله الأجر والثواب.
موازين ثقافية
عندما كنت طالبة في المدرسة، قيل لنا في حصص اللغة العربية، أن للعرب أكبر تراث فيما يتعلق بقصص العشق والحب والغرام والهيام والتوله والتدله. ورغم ذلك فشلنا في تصدير أي من قصصنا ابتداء بقيس وليلى مرورا بعنتر وعبلة، وجميل بثينة وغيرهم. أما في حصة الاجتماعيات، قالت لنا المدرسة أن الدول العربية تعاني من عدم اتزان بين الصادرات والواردات، فتستورد أكثر مما تصدر. يبدو أن عدم اتزان الموازين ليس متعلقا بالتجارة والسلع وحسب، بل حتى في التصدير الثقافي.
أراح الله قلوبكم.
هوس التعييد
لدينا هوس أحب أن أسميّه "هوس التعييد"، فكل مناسبة لدينا صارت عيدا رغم أن أصحابها الأصليين لم يسمونا عيدا في لغاتهم الأصلية! فيوم العمال في العالم العربي اسمه عيد العمال، ويوم الأم صار اسمه عيد الأم، وكذلك يوم فالنتاين صار اسمه عيدا. أدام الله الأعياد في دياركم، شريطة أن تكون من صنعنا. وليتفكر أولو الألباب.