أستبد بي الأسف وغمرتني اللوعة لما رأيته من تغطية إخبارية مهلهلة لمعظم التلفزيونات العربية في ظل المستجدات السياسية الراهنة التي تتسم بسخونتها وبالتالي تتطلب تغطية إعلامية جادة ومتميزة لتواكبها ، ورغم انه لا يجب التغاضي عن بعض الجهود المرضية لقلة قليلة من الفضائيات ولكن هذا لا يعني صرف النظر عن نقد الذات والالتفات لمأساوية الإعلام العربي .

فالمشاهد العربي الجاد يثير الشفقة لكونه مداهما من قبل إعلام تلفزيوني سداه القولبة ولحمته التخلف وان حاول الانتقال من قناة لأخرى لا يجوز فيه إلا القول انه كالمستجير من الرمضاء بالنار، فإعلامنا لا يقدم إلا الكثير والكثير من الاستخفافات العقلية التي قد تصل لدرجه من الفداحة حتى انه يمكن إدراجها في نطاق عمليات غسيل المخ ، بيد أن الموضوعية تفرض نفسها، فبعد الإنعتاق من (فوبيا النقد ) هذا الوهم الخادع ،علينا أن نعرف من يستحق التجريم ومن يستحق البراءة ،و باستنتاجات عقلية منطقية نجد أن المأساة تكاملية لها بعدان :

( أولهما). شريحة كبيرة من المشاهدين الغافلين المستسلمين الذين ختم الله على قلوبهم فنسوا دورهم في عملية الضغط على ما يقدم ،فللإعلام بعدان إما سياسي أو تجاري ،ولا عيب في ذلك لكن المخزي في الأمر أن المشاهد العربي لا يستعمل دوره كهدف اقتصادي لتغير الاستراتيجيات الإلهائية بل يكتفي بدور المتفرج القانع بكل ما يقدم له ، وهذا في بعض الأحيان يقود لإجهاض جهود جادة و متميزة لأنها لا تلقى إلا السلبية ممن هذا المتفرج،فأي إعلام نطلب وهذا هو حال الأكثرية السوداء ، فالمشاهد العربي ليس إلا جزءا من أفواج من الجهلة وأنصاف المتعلمين ، ولتتضح الصورة أكثر يمكننا أن نتخيل المشاهد العربي كإنسان الكهوف ( الذي يلاحق الحيوانات بهراوة خشبية ) فهذا البدائي لن يقف موقفا إيجابيا من أي شيء يخرج عن نطاق تفكيره ، و كذلك هو حال العربي من سلبية و ضيق أفق وجهل.

لكن المصائب لا تأتي فرادى وهذا يوصلنا للطرف الثاني في المسئولية وهو الإعلام التلفزيوني فهو جزء من الكارثة حيث انه لا يضطلع بدوره في تشكيل الرأي العام و تجسير الثقافة و بث الوعي بل يكتفي بالروتين الملل أو السخافات وقد يصل في بعض الأحيان إلى تقديم معلومات خاطئة بحجه أن أحدا لن يلاحظ ،( فالعربي لا يقرأ ) كما قال وزير الخارجية الأمريكي. سابقا. (هنري كيسنجر) و رغم كونه يهوديا فان في ما قاله الكثير من الصحة ،ولذلك أستنتج أن هذه التراجيديا الساخرة يقدمها الإعلام التلفزيوني لكن بإخراج و إيعاز من مشاهد مستسلم ،وفي كل الأحوال فإنها تزيد الآلام ومن لا يرد أن يحزن مثلي فعليه ألا يستمع لآرائي وليتمثل بقولشيكسبير ( إن رهافة سمعي تثقل قلبي ) ، أراح الله قلوبكم .

 

نشر في جريدة القبس ، العدد 9084 ، بتاريخ 28-08-1998