السؤال الأول:  (درجتان)
مُراعيا أصول التلخيص التي تعلمتها، لخّص فيما لا يزيد عن أربعة أسطر رواية "ساق البامبو" للروائي الكويتي سعود السنعوسي.

الإجابة:
تزوج راشد الطاروف سرا بالخادمة الفلبينية جوزافين، التي أنجبت له صبيا سمّاه عيسى. تحت ضغط الأهل اُضطر راشد إلى إرسالها ووليدهما إلى الفلبين، حيث نشأ عيسى/هوزيه وقد حمّلته أمّه بفكرة أن الكويت فردوسه الموعود. لكنه حينما عاد للكويت، اكتشف أنها ليست كذلك، فعاد للفلبين حيث تزوج ابنته خالته التي طالما أحبها، وأنجبا صبيا، وعاشا في سعادة وهناء.

* * * * *

هكذا يمكنني تخيل سؤال منهجي قد يرد مستقبلا عن هذه الرواية. وهذا ليس مجرد تمرين على التلخيص، بل درس بأن القصة العامة ليست كل شيء، فإنما الروايات بتفاصيلها.

فحينما نتمعن في ملخص القصة، نجد -ويا للغرابة- أننا أمام شيء قريب من الميلودراما بكل المعنى السلبي للكلمة. شيء قريب مما قد نقرأه من القصص الشاجية في الصحف الفضائحية، أو المنتديات، أو ما قد يستعرضه برنامج تلفزيوني اجتماعي يهدف للإثارة. لكن مهلا! لا تحكموا على كتاب من عنوانه، ولا على رواية من ملخصها. 

يقول عمر بن الوردي:
خذ بنصل السيف واترك غمده *** واعتبر فضل الفتى دون الحُللْ
القصة الواردة أعلاه كانت الغمد فقط، غمد بسيط في الحقيقة، لكنه يُقِل سيفا حادا ذي نصل موجَّه إلى مفاصل مهترئة في مجتمعنا.


* * * * *

 


السؤال الثاني:  (٣ درجات)
علل لما يأتي:
لماذا كانت "ساق البامبو" من الروايات المميزة التي حصلت على جائزة الرواية العربية لعام 2013؟ اذكر رأيك مدعّما بالأمثلة.

بدأت أشعر بالملل من لعبة الأسئلة هذه! يمكن توجيه هذا السؤال إلى أعضاء لجنة التحكيم، لكن إذا كان السؤال لماذا تمكنت هذه الرواية من جعلي أقرؤها خلال أقل من ٢٤ ساعة بشهقة واحدة، فإن لدي الكثير لأقوله.

1. بداية، الأفكار هنا لا تعاني من الوحدة؛ كل فكرة تجد لها توأما بثياب أخرى. إنها ليست قصة هوزيه الذي لم يره أباه فقط، بل أيضا مأساة ميرلا (ابنة خالته) التي لم تعرف أصلا من يكون أبوها، والجد ميندوزا الذي نكتشف في النهاية أنه مجهول الأب. كما نجد تماثلا معكوسا بين هوزيه وغسان البدون؛ هوزيه يحمل أوراقا كويتية، في حين ينتمي ثقافة إلى الفلبين، وعلى عكس ذلك نجد غسان الذي يحمل الكويت في قلبه وذاكرته، لكنه لا يحمل أورقا ثبوتية منها في جيبه. كما أننا حين نلاحظ انفصام هوزيه بين هويتين وعِرقين، نجد ميرلا أيضا تعاني الانشطار ذاته وهي النصف فلبينية والنصف أوربية. كل هذا يشحن الرواية بجو من المألوفية، فالمأساة تتكرر، والفكرة تتقرر.

2. هذه ليست رواية البطل الأوحد الذي تتفانى بقية الشخصيات في سبيل إسناد سطوعه، بل ثمة أبطال آخرون، لهم مآسيهم وصوتهم. إنها الحياة الحقيقية، حيث لا تعاني وحدك، بل الكل يعاني، كلٌ بطريقته. وهذا هو جمال الرواية، إذ ثمة مهرجان يُقام؛ قصة عيسى في المنصة في المنتصف، لكن هناك كشك تقرأ فيه معاناة خالته آيدا وابنتها ميرلا، ومنصة جانبية لقصة غسان البدون، وقريب منه نرى العمة هند التي تصفعها ضغوطات المجتمع وتوقعاته، وفي ركن خاص نجد الأصدقاء الخمسة الذين التقى بهم هوزيه في الفلبين، ثم في الكويت مجددا، والعجوز الغامضة تشولينغ تقف في زاوية خاصة بإنارة خافتة تزيد من عجبك وأسئلتك، وغيرهم كثير.

3. ثم هناك هذا الاحتشاد في تفاصيل العالم الفلبيني؛ التراث، الحياة اليومية، الخرافات، النسيج الاجتماعي. لا ألوم من ظن فعلا أن المؤلف هو شخص حقيقي فلبيني هو "هوزيه ميندوزا"، فهذه الإحاطة الدقيقة بالتفاصيل مبهرة ومقنعة وتصنع المصداقية بإتقان. وعلى الجانب الآخر، تفاصيل المشهد الكويتي مكتنزة بالتفاصيل المجتمعية والتصويرية الدقيقة.


4.  لقد نجح سعود السنعوسي في إقناعنا –بكل الطرق المتاحة- بأن ما في هذه الصفحات شيء حدث فعلا، بل خدعنا أو كاد يفعل لنظن أن الراوي هو الروائي! فعلى مستوى الشكل، نجد جرعة تجريب كبيرة، جرعة قد تكون خرجت من مرحلة المغامرة إلى المقامرة بحيلة طريفة، فطن إليها البعض، وغُمّت على البعض الآخر حينما وضع قبل بداية الرواية صفحة غلاف يظهر فيها اسم الرواية بالعربية والفلبينية ممهورا باسم بطل الرواية "هوزيه ميندوزا" مؤلفا، بالإضافة إلى إدراج اسم مترجم، واسم مدققة! السنعوسي هنا تقمص دور "المستثمر المغامر" أو "رائد الأعمال" (Entrepreneur) الذي يخاطر برأس المال في مجال/ فكرة جديدة. وهو هنا خاطر باسمه الأدبي (الذي قد يضيع لصالح هوزيه ميندوزا) في سبيل منح أكبر قدر من الصِدقية والإقناع للرواية. 

5. يتسق مع هذه الحيلة أن لغة الرواية كانت مسطّحة وأقرب للغة الصحافية، ولو كانت غير ذلك لكان هذا مأخذا كبيرا على الرواية، ونقيصة نقدية. فالمؤلف "الافتراضي" (الراوي) فلبيني، حظه من التعليم قليل جدا، لذا سنفترض أن سيسرد ما حدث بلغة بسيطة أقرب إلى الحكي اليومي، وحتى إن طالت لغته تعابير بيانية، فستكون مشتقة من بيئته هو. كما أن المترجم "الافتراضي" بدوره ليس متحدثا أصيلا للعربية، بل فلبيني أيضا، وبالتالي لا نتوقع منه تدخلا بيانيا لصالح العربية، خاصة أن خبرته في الترجمة تنصب بشكل رئيس في ترجمات دينية وصحافية بعيدة عن الأعمال الأدبية. هذه الرواية ليست رواية صنعة لغوية، فلا لغة شعرية هنا، ولا تراكيب جديدة مذهلة، استعمال الكنايات والمجازات مقتصد جدا. هذه رواية تعتكز على الأحداث، والوصف، والأفكار النقدية المخبوءة خلال الأحداث.

6. يقول عمر بن الوردي:
أنا كالخَيزُور صعبٌ كسره *** وهو لدن كيفما شئت انفتلْ
والخيزور هو الخيزران أو البامبو. والكاتب حينما أشار إلى هذا النبات، وظفه رمزا ليس فقط لعيسى/هوزيه الذي كان يُؤمل له أن يكون كالخيزران يقتطف ثم ينبت في أي تربة تستضيفه، بل أيضا ليكون رمزا مستترا يمثل الشخصية الفلبينية المعروف عنها أنها طيعة وقادرة –كالخيزران- على التكيف والانفتال. وحينما نقرأ الرواية نفهم كيف أصبح الفلبينيون كذلك، ونجد أحد الأمثلة  المفسرة في الرواية حيث يضطر هوزيه –شأن بقية أبناء جلدته- إلى اتخاذ وظائف شتى، يطردون منها سريعا كي يتخلص أرباب العمل من مكافأة نهاية الخدمة. كل هذا يصبغ شخصية الفلبيني بالخبرة، وبالمرونة وحسن التكيف أيضا، كالخيزران تماما.

 

* * * * *


حسنا، بعد لعبة الأسئلة ماذا يمكننا أن نلعب مع الراوية؟ ما رأيكم بلعبة صيد الهفوات مثلا؟

مأخذي الأكبر على الرواية هو عنوانها، هذا العنوان الجميل والمعبّر تلوّث بلفظ بعيد عن الثقافتين اللتين يتناولهما العمل. كيف تسللت التسمية الإنكليزية "بامبو" إلى العنوان، ولماذا؟
فالفلبينية تستخدم كلمة "كاوايان" كما ورد في الرواية، والعربية تستخدم خيزُران بالفصحى، وخيزَران بالعامية. حتى أني توقعت أن تحمل لنا الأحداث خبرا طريفا بأن الجدة غنيمة تعلّق "خيزرانة" في غرفتها من أجل الردع وبسط الهيبة كما كان بعض الأقدمين يفعلون!

مأخذي الآخر على تفصيل فرعي، وهو أن ذات يد هوزيه في الفلبين كانت ضيقة إلى حد لا يؤهله لأي اطلاع تكنولوجي، وهو الذي فرح أبناء حيّه كله بوصول ثلاجة إلى بيتهم! فكيف يستخدم الإنترنت فور حصوله على حاسوب من أهله في الكويت؟ قد يكون تعلم ذلك عندما أقام لدى غسان مثلا، لكن القارئ يحتاج أن يعرف التفاصيل حتى يكون الأمر منطقيا ومبررا.

 

* * * * *


ماذا بقي من الألعاب؟ ماذا بقي؟ أجل، بقيت لعبة التمني!
التعدد النطقي الذي ينوء به اسم هوزيه/جوزيه/خوسيه (وهو اختصار لاسم جوزف؛ يوسف) جاء مقصودا وذكيا، فهذا التشظي في نطق الاسم كان بمثابة تنبؤ مبكر لأزمة الانتماء التي ستلم بالبطل. لكن، ووفقا لقواعد لعبة التمني، سأتمنى لو كان اسم البطل "هيسوس" Jesús، وهو المقابل الفلبيني لاسم عيسى. وهذا الاسم شائع في إسبانيا والدول التي تأثرت بثقافتها كأمريكا الجنوبية والفلبين. و"هيسوس" -مثل هوزيه- يحمل أكثر من نطق؛ "خيسوس" بالإسبانية، و"هيسوس" بالفلبينية، و"جيزوس" بالبرتغالية حيث يستخدم الاسم في أسماء العائلات فقط بصيغة "ديه جيزوس". تقابُل الاسمين عيسى و"هيسوس" كان سيفتح بوابة مقارنة إجبارية على البطل ليقارن بين نبي الله عيسى –عليه السلام- في الإسلام، ويسوع ابن الرب في المسيحية، والدخول في هذه التفاصيل المقارنية كان سيجعل هذه الرواية البهية أكثر إبهارا.


إذا، وبعد كل هذه الألعاب، أقول أن هذه رواية جعلت الوسط الأدبي يقف احتراما لها، يقف على قدم وساق؛ ساق من البامبو، أو الخيزران كما أفضل لها أن تسمّى. ساق يانعة وعابقة بالحياة، ساق أينما وضعت، أنبتت الدهشة والبهجة.