ترى، كيف سيكون شعور الكاتبة الشهيرة «ج. ك. رولينغ» مؤلفة سلسلة «هاري پوتر» الشهيرة حينما تعلم أن بعض إصدارات سلسلتها قد قفز إلى «الطبعة السادسة والسابعة» في اللغة العربية، في حين أنه لا يزال في طبعته الأولى باللغة الإنكليزية!

قبل أن نستقصي الشعور المحتمل للمؤلفة، علينا أن نفهم ماذا تعني كلمة «طبعة»، وكيف أن هذا المصطلح الدقيق والنافع تحول إلى أداة تضليل على القارئ في عالمنا العربي.

ما حدث هو أن هناك خلطا – قد يكون متعمدا بغرض التدليس أو بريئا بسبب الجهل- بين مفهوم الطبعة Edition وإعادة الطباعة Reprint. ومن الظاهر أن الغالبية الساحقة من الناشرين العرب لا يستطيعون التفرقة بين المفهومين، أو لا يريدون، أو كليهما معا!

 

معنى «الطبعة»

الطبعة شيء يدل على تغيير معتبر في محتويات الكتاب، تغيير يجعل القارئ الذي يقتني الطبعة الأولى من الكتاب يفكر في اقتناء الثانية لأن فيها إضافات أو تعديلات أو تصويبات لها وزنها. هذه هي الطبعة، أما إذا طبع الناشر كمية من كتاب ما بطبعته الأولى، ثم نفدت، فأعاد طباعة المزيد من النسخ دون تغييرات أو بتغييرات طفيفة مثل التصويبات اللغوية العابرة، فإنه لا يجوز أن يدعو هذه «طبعة»، بل اسمها الصحيح هو «إعادة طباعة». ومن الشائع أن تجد كتبا إنكليزية مكتوب عليها في صفحة البيانات مثلا: «الطبعة الأولى، إعادة الطباعة الثالثة».

بل أن بعض الناشرين، يجري تعديلات معتبرة في الكتاب، لكنه لا يريد أن يقول انها طبعة جديدة من الكتاب لأن سقف المهنية عال، ولا يطلق اسم الطبعة الجديدة إلا على تغييرات معتبرة ومؤثرة، فنجده يكتب First Revised Edition أو الطبعة الأولى المنقحة.

 

ما المعيار؟

وفي الغرب، تحصل كل طبعة من الكتاب على رقم دولي موحد للكتاب (ردمك أو ISBN) خاص بها، أما إعادة الطباعة فلا تحصل على ذلك. أما العالم العربي؟ فلا أعلم ما المعيار، بل ان بعض الناشرين لا يعبأ باستصدار رقم «ردمك» للكتب التي يصدرها.

إذا، الطبعة شيء متعلق بمحتوى الكتاب وليس بعدد مرات طباعته ونفاده، ثم طباعته مجددا. فالقارئ ليس معنيا كم مرة طبع الكتاب، ومن قلة المهنية أن تستخدم الطبعة أداة تسويقية كي تحمل القارئ على شراء الكتاب باعتبار أنه كتاب مرغوب وصل إلى رقم فلكي من حيث عدد طبعاته.

 

تحديد المصطلح

قد يقول قائل إن الناشرين يستخدمون كلمة «طبعة» مصطلحا شاملا يشمل إعادة الطباعة، وانهم لا يضمرون سوءا أو تدليسا على القارئ. وأنا كُلّي استعداد لتصديق ذلك، لكني في المقابل أتوقع وأطالب بأن يكون هناك مصطلح آخر بخلاف طبعة (فلنسمه إصدارة أو أي مصطلح يُتفق عليه) يخبر القارئ أن هذا الكتاب يختلف عن سابقه من حيث المحتوى، وانه يستحق التفكير في إعادة شرائه. وسأكون سعيدة لو عاد الناشرون على الأقل لاستخدام العبارة القديمة «طبعة منقحة ومزيدة»، لتدلنا على استحياء أن ثمة ما هو جديد في هذه الطبعة.

وهذا يخدم القارئ الجاد والناشر العالي المهنية، إذ في ظل هذه الفوضى، لن يرغب أحد في اقتناء طبعة جديدة لأن غلافها تغير أو لأنه أعيدت طباعتها، هو لا يعلم أن ثمة تعديلات جذرية على المحتوى. أما حينما تتضح الأمور، فإن فرصة القارئ أن يعيد شراء كتاب لديه سلفا تكبر، خصوصا في حال الكتب المعتمدة على معلومات قابلة للتغير والتحديث.

 

جهل وفوضى

إلى أن يحدث ذلك، أتمنى على كل قارئ أن ينتبه إلى هذه الحيلة، وألا يتخذ قرارات شرائه بناء على رقم الطبعة، لأنها شيء غير قابل للقياس في ظل تفاوت الناشرين في عدد كل كمية يطبعونها. فبعض يطبع ألف نسخة من كتاب، وحين تنفذ يطبع الفا أخرى ويدعوها طبعة ثانية. في حين يطبع أحدهم خمسة آلاف وحين تنفد ويطبع أخرى يدعوها طبعة ثانية، والفارق هنا شاسع وغير دال.

لا تنظروا إلى الطبعة، لأنها في عالمنا العربي لا تعني شيئا سوى الجهل والفوضى، ولا تعني سوى أن هناك ناشرين يؤمنون بالمثل الشعبي، مع بعض التحوير: «من طمع طبع» ... طبع طبعةً جديدة!

 

 

 

نشرت في جريدة "القبس"، الأحد 5 يناير 2014، صفحة 28.

نسخة نصية

نسخة PDF