حملت الايام الماضية أخبارا مفاد جميعها ان التوقع لا يجدي نفعا في كثير من 
الامور ، مما يفضي لقلة الحيلة كما حدث مع "كورسك " التي قضت بمن فيها مجهزة 
على الكرامة الروسية التي ما فتئت تشرئب من جديد بعد قدوم الرئيس الجديد بوتن 
الذي عول عليه الروس لينهي الحالة الاقتصادية التي اتى بها عجوز غائب البال 
مثل يلتسن الذي خَلَفَ غورباتشوف الموصوم بالاجهاز على روسيا كقوة عظمى من 
خلال "البريسترويكا" و "الغلاسنوست" .بيد ان الامر في حالة "كورسك" لا يقع في 
خانة اثارة التساؤلات و حسب بل في خانة قلة الحيلة و وطعن الكرامة السياسية و 
تساقط الاقنعة و بروز قضايا مثل دور روسيا في النظام العالمي الجديد احادي 
القطب و رسوم الانضمام للنادي النووي .


روسيا دجنت فكان تـفـكك الاتحاد السوفيتي و التغير الدراماتيكي الذي أدى 
لصناعة نظام سياسي روسي قد تكون الديموقراطية احد اسسه بشكل او باخر .و قد 
يعود شيء من الفضل ل"يلتسن" رغم ما جرّت سياساته من فقر مدقع و سورة الاصوات 
الحانـقـة و تدهور ل"لروبل" .
"فلاديمير بوتن " وصل الى سدة الرئاسة بقرار من يلتسن الذي عينه بحصافة رئيسا 
بالوكالة منسحبا من الميدان مقللا من فرص الخصوم . الا ان كون" بوتن" شخصية 
في اطار القرار السلطوي اثار سخطا لا متناهٍ عندما برهن على انه لن يخرج عن 
اطار التخاذل و البيروقراطية التى لطالما رزح الروس تحت انيابـها . فهو لم 
يفطن للـدور الاعـلامي و " الديماغوجية " المطلوبة من السياسيين الا متأخرا . 
فقرر رفع رواتب الجيش بنسبة 20 بالمائة و اعلن عن شعورة "بالذنب و المسؤلية 
".


لعل "للانفاق الدفاعي" دور… لكن ماذا عن" الانفاق الدعائي"؟ . فقَطْع الرئس 
اجازته لا يكلف الكثير بيد انه - من منطلق التكلفة و العائد - اجدى نفعا و من 
افضل الوسائل لاجتذاب الشعبية السياسية التى حاول "بوتن" استقطابها - لكن 
متأخرا هذة المرة ،فلم يكن وراءه "يلتسن"الذي ترافقة ابنته "تاتيانا" و تدعمه 
بكل ضراوة.


فهل يقع بوتن غير مأسوف عليه و قد اثار من سخط شعبه ما اثار : فشل ذريع في 
الشيشان و لامبالاة سياسية ابقيا الباب مشرعا للعديد من التكهنات الخصبة و 
الروايات التي تحكي عن عمل فدائي شيشاني من احد العاملين في الغواصة و سط عدة 
سيناريوهات مطروحة بدءا بالانفجار و انتهاءا بنظرية الاصطدام التي ايدها " 
بوتن " في حضورة الاعلامي الذي نعت بانه هزيل و تجافيه المصداقيه .
ساعة الخلاص لم تأزف بعد ، رغم ان روسيا مرت بزخم سياسي و تاريخي يضعها في 
خانه فريدة شهدت و لاتزال العديد من الحالات السياسية على اختلاف ضروبها و 
تعدد صورها بريئة كانت او فلم تكن الاخلاق قط هدف السياسة الاول.فالدب الروسي 
تجمد و تراجع لصالح النسر الامريكي و يبدو انه لن يعود الا بعد حين او قد لا 
يعود اطلاقا ، فالتطبيق النقي لحرية المجتمع المدني قد يكون نخبويا و مكلفا 
،ورئيس روسيا الجديد ليس متأهبا لتفهمها . فمازالت القيادة السياسية تملك تلك 
العقلية" الحمراء" متناسية توازن القوى الحالى 
.

روسيا ليست الوحيدة التي تروم قيادة العالم بل تشاطرها في ذلك اليابان و 
الصين التي ازدات فرصها بعد ان بدات باضافة المرونه كعنصر اساسي ل " الماوية 
" التي تنتهجها بعد ان تيقنت انه لم يبق من الشيوعية سوى كاسترو او حتى 
غونزاليس لتصارع و تكابر عليه، و عرب مصابون ب "النوستالجيا " و "فوبيا النقد 
" يتباكون على عبد الناصر .مما عززها سياسيا وحماها اقتصاديا فلم تكن قط من 
ضمن النمور الاسيوية "غير الاشتراكية " التي انتهى بهاالامر الى " قطط مخططة" 
.
فلترسم المسالة ما ترسم و لتثر ما تثير .فمن رحم الفوضى او التخاذل لا يقوم 
نظام قادر على المجابهة : نظام لا يدجن الالم في حظيرة النسيان بل في حظيرة 
الاصلاح حتى لا تكون الجهود حرثا في البحر،فيجد الدب الروسي من يضمد جراحة في 
عز سورته او انكساره

 

نشر في جريدة القبس ، العدد 9771 ، بتاريخ 01-09-2001