لطالما كانت النظرة العربية تجاه الولايات المتحدة ملتبسة شائكة بعقبات الفهم و قصور التصور ، فالذهنية العربية التشكيكية ما فتئت مشحونة –بطريقة مقولبة تصل الى حد العنصرية –بمفهوم (الويلات )المتحدة ، ويقترن هذا بترسبات ال ((westophobia )) و عقدة الخواجة الزاخرتين بالمعاني الزاعمة ان وطأة التاريخ و الاحداث تصر و بضراوة ان تدعم الولايات المتحدة ضد العرب ، رغم ان المنطق يصدح عاليا ان القوة –على اختلاف مفاهيمها و تفسيراتها_تفرض نفسها بسطوع ومنطقية .فالسنوات العجاف الاخيرة في العلاقة التوازنية بين العرب و امريكا توصم دوما بالمعيارية المزدوجة والمراوغة رغم انهما مشروعتان بشكل من الاشكال في التعامل السياسي اقر العرب ذلك او ابوه .

وحقيقة الامر ان السياسات الأمريكية -التي لا تحسب الامور لا بمنطق الغامرة ولا المقامرة -سواء اغرائية كانت او اغراقية بأداة الجزرة او العصا تفيض بالصوابية فيضا اذا ما قورنت بشعوب سلبية عاجزة عن العمل الافقي الضاغط ،تنتظر الرحمات المفاجئة القادمة من المستويات الرأسية لصنع القرار ، و لعل هذا قناع من اقنعة الانسان العربي الشهير بانطوائيته و عزلتة المتقوقعة التي تخلص منها عرب امريكا الذين شكلوا قواعد و جماعات ضاغطة فاعلة .

ويقتحم الذاكرة موقفهم من اغنية تحمل معاني مسيئة للعرب في فيلم علاء الدين الذي انتجته شركة walt disney ،بالاضافة الى دورهم مؤخرا في الضغط على شركة مطاعم Burger King التي افتتحت فرعا في احد المستوطنات اليهودية رغم ان الشركة لن تسحب امتيازه تعاطفا مع العرب المشردين البائسين في عقر دارهم، و لكنها تفعل ذلك كرد فعل لقوة تحمل منطق الاجبار من خلال التلويح بالمقاطعة ، فالسياسة البراغماتية تحمل في طياتها (القوة المنطقية ) عندما تستشعر الشركات فيتو تحريضي ايعازي يكبح العدوانية ضد العرب ،ولعل هذا انفع و انجع من سياسات عنيفة ضد (شيطانية امريكا) رغم ان جهل العرب و سلبيتهم اكثر شيطانية حيث انها تجعل الاسلام الضحية في نهاية المطاف وتمثل دعاية سيئة مقرونة بقلة الحيلة امام القدرات العسكرية امام اقوى دولة في العالم ، رغم ان الذنب ليس بذنب دين السلام و العمل الجاد الايجابي الذي ما برح يربط بطريقة مؤلمة مع كل ما هو عنيف ودامي .و في الجهة القابلة نجد ان المسيحية لا تربط مع احدث العنف في اقليم الباسك او المافيا الايطالية او الفساد العنيف في امريكا الجنوبية ،ربما لان الاعلام العربي اضعف و اوهن من ان يجور على الاعلام الغربي الذي جار عليه بموافقة ضمنية منه ربما لان اعلامنا لم يصل لمرحلة المواطنة الصالحة بعد .

الصياغة الرافضة للعنف تزداد مع النظر الى واقع اللوبي اليهودي في أمريكا،فالتغلغل الفعال جلي ولا مجال لانكاره رغم ان اليهود الامريكيين لم ينتهجوا العنف بل المواطنة الصالحةالممزوجة بالبراغماتية المقنعة و المفيدة رغم ان صلاحية المواطنة تضمن عنفا ما احيانا.

بيد اننا حال نظرنا الى الصراع العربي الاسرائيلي نجد ان الموازنة مختلفة تمام الاختلاف فطالما ان منطق السلام مجحف ،يكون البديل منطق الحرب في قضية لا تحتمل لا التسويات و لا انصاف الحلول.

من هنا يظهر البون الشاسع بين (العرب المتأمركة) و ( العرب العاربة ) حيث يستعصي على الاخيرين فهم المواطنة الصالحة امام رواسب الماضي ابتداءا ب (زوار الفجر) و انتهاءا ب (وراء الشمس ) بل و ربما (وراء الصقيع ) .

المطلوب من ان نفهم المواطنة الصالحة كمشاركة فاعلة و عادلة تتطلب الا تكون في اخر قائمة الاولويات، فعندما و ضعت في المقدمة، كان نجاح الحوار العربي- الامريكي ،وعندما زج بها الى القاع فشل الحوار العربي-العربي فيرجع العرب خاليي الوفاض ، و اكثر نزاعا من ذي قبل .

لا مناص من ان الامور تستلزم نظرة شاملة كاشفة لا يقصر مداها عما تقرره (النوستالجيا ) الفكرية او ذكريات التاريخ التي لن تعود بالنواح عليها بل باستلهام موجبات القوة فيها .

الامور قد تحمل في طياتها الكثير وقد تحمل المتناقضات وكذلك هي المواطنة التي تحوى التباين في الموقع على سلم الاولويات و في ساحة التطبيق .الكل يتفق على ان العصفور المبكر يفوز بالدودة ولكن ولكن الدودة المبكرة يفوز بها العصفور!

 

 

نشر في جريدة القبس ، العدد 9090 ، بتاريخ 03-09-1999