فلانة: "يا للظلم! نحن نتلفع بأمتار من القماش، و هم يسيرون كما يشتهون. أين حقوق الإنسان، هذا يسمى تمييزا جنسيا!"
فلان: " أين العدل؟ النسوة يكسبن أطنانا من الثواب بارتدائهن الحجاب، و نحن لا شيء البتة"

للوهلة الأولى، يبدو منطقيا جدا. لكن، بعد التفكير، ليس تماما. و بعد التفكير العميق، ليس منطقيا أبدا. قليل من
إعمال العقل يشفي الأمر برمته. المسالة ببساطة، اختلاف الخلقة و الشكل يتطلب اختلافا في بعض الأوامر. فالأصل هو العدالة لا التماثل justice not equity و المطالبة بالمماثلة لا تدل على شيء سوى ضيق الأفق.فيقال العدل بين الأبناء مأمور به، أما التسوية فلا، فكيف نسوى بين أبن رضيع و آخر بلغ الرشد، أو ابن معتل و آخر صحيح. و يسرى هذا المنطق على كل الأحكام، فالحكم يعتمد على خصائص المنفذ و يتغير وفقا له.

عدم فرض الحجاب على الرجل لا يعني بأي حال انه ليس هنالك قانون ملزم من اللباس مفروض عليه و يحاسب عليه كما تحاسب المرأة، و كونه مختلف فهذا منطقي لاختلاف شكل المرأة عن شكل الرجل.
فللرجل عورة من السرة إلى الركبة، و كشف ما عداها لا يشكل إغراءً – في معظم الثقافات- كما الحال عند المرأة. و وفقا لعلماء النفس، الشهوة لدى الرجل مسألة بصرية، أما عند المرأة فمسألة نفسية إدراكية. فالمرأة الجميلة تثير الشهوة، و الرجل الوسيم لا يفعل ذلك لدى المرأة – أوليا على الأقل – ما يلعب الدور الأكبر هو صفات الشخصية و الصورة العقلية المرسومة. و وفقا لذلك يكون قانون اللباس. انه الإنصاف و لا شيء غيره.

فضلا عن ذلك هنالك قوانين أخرى للباس الرجل يشترك فيها مع المرأة، فلا يحوز له التشبه بالجنس الآخر فالرسول صلى الله عليه و سلم لعن المتشبهين من الرجال بالنساء، و المتشبهات من النساء بالرجال. فيحرم على الرجل لبس الحرير و الذهب مثلا. و التشبه هنا يشمل التشبه السلوكي و التشبه الشكلي كليهما معها. بالإضافة إلى النهي عن التشبه بالهيئات ذات المدلولات الدينية فقد نهى الرسول صلى الله عليه و سلم احد الصحابة عن لبس الصليب لأنه هيئة خاصة بجماعة دينية، و ارتداؤه ممنوع لأنه يبدو للرائي كإعلان للانتماء المعتقدي. و لباس الشهرة الملفت منهي عنه، و لا يقصد به اللباس مفرط الأناقة بصورة ملفته للنظر و حسب، بل قد يشمل أيضا الثياب الرثة التي ترتدى بغرض اظهرا الزهد مثلا. فأي لباس يلفت النظر بصورة فوق المعدل الطبيعي في بيئته مرفوض للرجال أو المرأة.

إذا يا اختنا فلانة، قانون اللباس يشمل جوانب متعددة منها ما هو مشترك بين الجنسين، و كون عورة الرجل اقل من عورة المرأة فهذا لا ينطوى على التمييز بل هو استجابة لواقع التكوين النفسي للجنسين.

حسنا، لماذا لا نقلب الآية؟ و نجيب على سؤال أخينا فلان في الأعلى.

أيضا للوهلة الأولى يشم الأنف المتسرع رائحة ظلم. و المسألة حلها أبسط مما يعتقد أخينا فلان. فكما أن الله تعالى فرض على الرجل صلاة الجماعة في المسجد وهو أمر غير مفروض على المرأة، فرض على المرأة شيئا ليس مفروضا على الرجل. لكل مصدر للثواب، فما كان الله ليظلم أحدا، لكننا نظلم عقولنا عندما نمعن النظر في جزء من الأحجية و نتجاهل الأجزاء الأخرى. فلانة و فلان نالا العدل، لكن كل بطريقة تناسبه بطريقة مختلفة. إنها العدالة لا التساوي "اعدلوا هو أقرب للتقوى"