المقدمات:
"فلانة المتحجبة رقم واحد: لسانها سليط كالسيف.لا تسلني عن اخلاقها؟ الشيطان الرجيم يأخذ لديها دروسا خصوصية "
" فلانة المتحجبة رقم اثنين: لا تنقصها الصفاقة. يمكنك سماع ضحكتها و ان كنت على بعد مائة سنة ضوئية"
"فلانة المتحجبة رقم ثلاثة: تفاهتها و قلة عقلها كفيلة بان تلصق حاجبيك بأعلى جبينك تعجبا"
النتيجة:
أ ترون ، نحن أفضل حالا من دون الحجاب. أتمنى ألا تكون النماذج الثلاثة غمزا أو لمزا فنحن منهيون عنه، و إنما أوردته من باب التنميط البحثي بغرض البحث لا العبث.
السؤال، المقدمات الثلاث و نتيجتهما تبدو في غاية المنطقية اذا لم نصخ السمع و نعمل العقل كما ينبغي. من قال أن سوء التطبيق تعلة لترك المبدأ الجيد. الإسلام حجة علينا و لسنا حجة على الإسلام.
المنطقي اذا ان هذة الأنماط –وفرت او عدمت – تمثل نفسها و ان بدت انها تمثل الاسلام. السؤال الملّح: لم تظهر هذة الانماط؟. و السؤال الأكثر الحاحا، الا توجد انماط اخرى معارضة لها. يقينا بلى، اذا لماذا التركيز عليها دون سواها، و لم التذرع بها؟ أمر مؤسف.
نعم، إنه يبدو كثيرا كالحجاب – ظاهريا – و لكنه باطنيا "حجاب اجتماعي". هو "ايشارب" أو قطعة قماش لا تلبس لوجه الله تعالى، انما لوجه المجتمع. انه حجاب له وجه واحد لا يعوز غيره، هدفه و جزائه رضا المجتمع. و كما ان هنالك "فتوى اجتماعية" تعلن لوجه المجتمع لا لوجه الله تعالى ، و كما ان هنالك "صلاة اجتماعية" للوجاهة ، لا لوجه الخالق، فماذا يمنع الداء من التكاثر فنحصل عليه: حجاب اجتماعي، يفرضه "المسدس الاجتماعي" المصوب على رؤوس الكثيرات، بان المرأة شر و من "حبائل الشيطان" و اخرجت آدم من الجنة و عليها ان تتخفى لا طاعة لله و نتيجة فهم لفلسفة الحجاب، و انما لان " عاداتنا و تقاليدنا" تنص على ذلك، و اذا نص الدين على ذلك فخير و بركة و ان تعارض فالالوية لما قله جد جد جد جد بعضنا. هنا نجد ان عبد الله تحول الى عبد المجتمع، و عبد ربه ، الى عبد جده. و و عبد البديع الى عبد التقاليد.
علماء النفس لا يختلفون ان المجبور على أمر لا يفهمه ، سيحاول الفكاك منه و ان لم يفلح فلن يتوان -لا شعوريا على الاقل - في عمل كل ما من شانه تدمير هذا الامر و تشويه صورته، الغريب في معظم الاحيان نجد المقهور يدافع عن سبب قهره، و هذا منطقي فلو كان بامكانه نقده لكان بامكانه بسهوله التخلص منه. ان الخوف، انها العصا. كل مفروض بغيض، لانه انتقاص من الارادة الانسانية التي على اساسها كلفنا الله تعالى و على اساسها نختار الطريق اما ميمنة او ميسرة.
هنا يحدث التناقص، فالحجاب له وجهان: و جه شكلي و وجه سلوكي و كلاهما ينبع من ايمان و فهم للفلسفة التي تقف وراء الامر الالهي. في الحجاب الاجتماعي يبرز الشق الاول و يغيب الثاني و هنا الكارثة. فليس بعد العين أين. الناس يصدقون ما يرون، seeing is believing و في معظم الأحيان لا نملك فرصة ثانية لنعطي انطباعا أوليا. من هنا ينشأ الارتباط اللاشعوري المسبب لدي الكثيرين ان الانماط الثلاثة هي انماط سليمة ممثلة لحقيقة الحجاب. هذة الصورة هي ما دفعت بعض النسوة في الستينات في الكويت لحرق العباءة، ليس معارضة للدين، بل لانهن احسسن ان هذا اللباس رمز للتخلف، و هو امر يلبس لاجل عيني العرف، فاين مصدر حجيته، اين قداسته و فلسفته المفحمة التي تمنعهن من حرقه؟ انذاك لم يرين سوى العرف المقيت. ارايتم كم هو ضار هذا النوع من الحجاب.
والحجاب المفروض ب "مسدس المجتمع" لن يختلف عنه الحجاب المفروض ب"مسدس القانون". هل نسينا قول الله تعالى )وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (يونس:99) )لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (البقرة:256). و بالتالي هل يجوز ان يفرض قانون يجبر الناس على الصلاة أو الصيام؟ قطعا لا. و حتى لو تم ذلك، سنجد جيوشا من المصلين و الصائمين الناقمين على دين الله. الثابت في الأمر انهم لن يؤجروا على صلاتهم إذا صلوها طاعة للقانون لوحده، أ و ليست الأعمال بالنيات؟. الحل البديل هو القيادة بالقدوة leadership by example اما القيادة بالعصا فلا تولد سوى النقمة و الحقد.
فلسفة الجنة جميلة جدا و تتلخص في كلمة واحدة: "المشيئة". الله أعطانا الاختيار و "المشيئة" النسبية في الدنيا: إما الطريق القويم أو الطريق السقيم. و جزاؤنا في الجنة أن لنا ما "نشاء"، فالجزاء من جنس العمل. )نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ) (فصلت:31) فلنعط الناس الفرصة ليعملوا مشيئتهم في أمر الله، فيثبهم الله عليها من جنسها.
ما الحل اذا، هل على اولئك النسوة ان يخلعنه و ننهي الموضوع؟
لا يدحض هذة الصور السلبية سوى اعداد مكافئة او فائقة لاعداد صاحبات الانماط الثلاثة. و عدا ذلك ستظل الصورة هي هي. عندها صاحبات الانماط الثلاث لن يملكن سوى الاعجاب بالمناذج الصحيحة ،و التفكير على الأقل في الامر و البحث عن فلسفته. و عندما نبحث في فلسلفة الأمر نقتنع فنملك الارادة و اذا ملكناها داوينا القمع، و نبت في قلوبنا و عقولنا القمح. جبل الجليد لا يكسره معول صغير واحد، بل ضوء الشمس على مدى الصيف. اهلا بالدفء.
ما ورائيات الحجاب (2) الحجاب الاجتماعي: من عبد ربه إلى عبد جده
- التفاصيل
- كتب بواسطة: حياة الياقوت
- المجموعة: مقالات دينية
- الزيارات: 5891