- التفاصيل
- كتب بواسطة: حياة الياقوت
- المجموعة: مقالات نقدية
- الزيارات: 3825
عند وقوفنا في حضرة تاريخنا التليد العتيد تتلاعب بنا الأحزان لتنقلنا لأحداث وذكريات تقارب المثالية بل أنها لتصل إليها في بعض الأحايين لتملي خطوطا شاعرية تزيد من مرارة التردي الحالي ، وبشيء من العقلانية يقودنا هذا للمقارنة بين الحالتين -حالة الازدهار الإسلامي وحالة الهزيع الأخير من هذا القرن الموسومة بأكثر النعوت المثيرة للشفقة والحنق في آن واحد- والعقلانية ايضا تنادي ان هذه المقارنة جائرة وغير منصفة ،لذا الأحرى بنا ان نربأ عن المقارنة بين الثرى و الثريا ، ولنقارن بين عصرنا وعصر الجاهلية! فلعل في ذلك بعض الإنصاف ، وقد يثير ذكر الجاهلية حفيظة الكثيرين ، فنحن نعيش عصر التقدمية والعولمة فكيف تصح المقارنة ؟ بل إنها تصح ، فنحن وان كنا صناعا وقادة لحضارة تليدة لكننا مفلسون في هذا العصر من أي ما يمكن ان يوصف ب(حضاري ) ، فالمعادلة بسيطة منطقية وليس فيها أي اغتيال للإنجازات الحالية التي نستهلكها ولا ننتجها فنحن نأكل مما لا نزرع ونلبس مما لا نصنع ، ونعود (للجاهلية الجديدة )التي نعيشها ،فهي تتجلى في :
عودة الطبقية والتفرقة بشتى مسبباتها وأنماطها التي تختلف من دولة لاخرى مما يعيد للأذهان وحشية الجاهلية التي سارعت خطانا نحوها كما ان الضروب المتعددة للصياغات المتعلقة بقوانين المرأة في معظم الدول العربية ، الا أنها تعايش جاهلية أخرى تغتال كل ما أعطاها الإسلام من تكريم وعلو إنساني وذمة مالية منفصلة وحق سياسي يتجلى في المبايعة .
ولا يغيب عن الأذهان ان أمية العرب تعود لكن بشكل جديد ، فقد كانت امية عرب الجاهلية الاولى من الناحية الثقافية تنحصر في القراءة والكتابة ، اما أمية عرب الجاهلية الثانية فهي طامة وكارثة حتى ان الأشعار الشعبية التي لا يفهمها الا من بتحدث بلهجتها أصبحت تلاقي هوي في نفوس الكثيرين مما يوجه لطمة كبيرة للغة أعجزت أصحابها في قران وحد القلوب والوجهات والالسن على حد سواء مما يشير ان الجاهلية الاولى تفوقت في بعض الميادين على (جاهلية عصر التطور) الحالية .
وجوهر هذا كله ان (الزيف الذي لا يكبر بالحقيقة يكبر بالقوة) كما قال طاغور ، وكم من الزيف والغياب عن الواقع و فوبيا النقد نعاني! فهلا رجعنا لقرآننا لينتشلنا من الجاهلية الى النور مرة اخرى و إلا فأننا نستحق ما نعانيه و(على نفسها جنت براقش) .
نشر في جريدة القبس ، العدد 0000 ، بتاريخ 02-10-1998
- التفاصيل
- كتب بواسطة: حياة الياقوت
- المجموعة: مقالات نقدية
- الزيارات: 4249
أستبد بي الأسف وغمرتني اللوعة لما رأيته من تغطية إخبارية مهلهلة لمعظم التلفزيونات العربية في ظل المستجدات السياسية الراهنة التي تتسم بسخونتها وبالتالي تتطلب تغطية إعلامية جادة ومتميزة لتواكبها ، ورغم انه لا يجب التغاضي عن بعض الجهود المرضية لقلة قليلة من الفضائيات ولكن هذا لا يعني صرف النظر عن نقد الذات والالتفات لمأساوية الإعلام العربي .
فالمشاهد العربي الجاد يثير الشفقة لكونه مداهما من قبل إعلام تلفزيوني سداه القولبة ولحمته التخلف وان حاول الانتقال من قناة لأخرى لا يجوز فيه إلا القول انه كالمستجير من الرمضاء بالنار، فإعلامنا لا يقدم إلا الكثير والكثير من الاستخفافات العقلية التي قد تصل لدرجه من الفداحة حتى انه يمكن إدراجها في نطاق عمليات غسيل المخ ، بيد أن الموضوعية تفرض نفسها، فبعد الإنعتاق من (فوبيا النقد ) هذا الوهم الخادع ،علينا أن نعرف من يستحق التجريم ومن يستحق البراءة ،و باستنتاجات عقلية منطقية نجد أن المأساة تكاملية لها بعدان :
( أولهما). شريحة كبيرة من المشاهدين الغافلين المستسلمين الذين ختم الله على قلوبهم فنسوا دورهم في عملية الضغط على ما يقدم ،فللإعلام بعدان إما سياسي أو تجاري ،ولا عيب في ذلك لكن المخزي في الأمر أن المشاهد العربي لا يستعمل دوره كهدف اقتصادي لتغير الاستراتيجيات الإلهائية بل يكتفي بدور المتفرج القانع بكل ما يقدم له ، وهذا في بعض الأحيان يقود لإجهاض جهود جادة و متميزة لأنها لا تلقى إلا السلبية ممن هذا المتفرج،فأي إعلام نطلب وهذا هو حال الأكثرية السوداء ، فالمشاهد العربي ليس إلا جزءا من أفواج من الجهلة وأنصاف المتعلمين ، ولتتضح الصورة أكثر يمكننا أن نتخيل المشاهد العربي كإنسان الكهوف ( الذي يلاحق الحيوانات بهراوة خشبية ) فهذا البدائي لن يقف موقفا إيجابيا من أي شيء يخرج عن نطاق تفكيره ، و كذلك هو حال العربي من سلبية و ضيق أفق وجهل.
لكن المصائب لا تأتي فرادى وهذا يوصلنا للطرف الثاني في المسئولية وهو الإعلام التلفزيوني فهو جزء من الكارثة حيث انه لا يضطلع بدوره في تشكيل الرأي العام و تجسير الثقافة و بث الوعي بل يكتفي بالروتين الملل أو السخافات وقد يصل في بعض الأحيان إلى تقديم معلومات خاطئة بحجه أن أحدا لن يلاحظ ،( فالعربي لا يقرأ ) كما قال وزير الخارجية الأمريكي. سابقا. (هنري كيسنجر) و رغم كونه يهوديا فان في ما قاله الكثير من الصحة ،ولذلك أستنتج أن هذه التراجيديا الساخرة يقدمها الإعلام التلفزيوني لكن بإخراج و إيعاز من مشاهد مستسلم ،وفي كل الأحوال فإنها تزيد الآلام ومن لا يرد أن يحزن مثلي فعليه ألا يستمع لآرائي وليتمثل بقولشيكسبير ( إن رهافة سمعي تثقل قلبي ) ، أراح الله قلوبكم .
نشر في جريدة القبس ، العدد 9084 ، بتاريخ 28-08-1998