هكذا و بكل بساطة و دون أدنى احترام لآيات الله تعالى ، تنتشر كالفطر الرسائل الاكترونية التي تدعى بان أحداث الحادي عشر من سبتمبر نبؤة قرآنية فتقول " ان يوم الانهيار هو الحادي عشر و هو ذات الجزء الذي تقع فيه الاية ، و رقم سورة التوبة هو 9 و هو شهر الانهيار ، اما العام فهو 2001 و هو عدد الاحرف من بداية السورة حتى الاية 110 و التي تمثل عدد طوابق المبنى. اما الشارع الذي يقع فيه المبني فهو شارع "جرف هار " و هو ما ذكر في الآية 109 ".
ابتداع اسباب النزول امر مريع.فسبب النزول الأصلي للآية هو بناء المنافقين لمسجد ضرار الذي امر الرسول –صلى الله عليه و سلم - بهدمه. و رغم انه قد يَصْدُق ان يكون للاية اكثر من سبب نزول اعجازا لمن اراد ان يعقل رغم ان البعض يرى ان سبب النزول مانع، بيد ان
السؤال المنطقي الذي يفرض نفسه : هل اذا اراد الله عز و جل تأريخ امر ارّخه بالتاريخ الميلادي شهرا و يوما و سنة ؟
و اين قوله تعالى (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً ) و المقصود بها الاشهر القمرية و تبعا لها التقويم الهجري ، و استعمال عبارة " عند الله " في هذة الاية يماثل استعمالها في (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الاِسْلامُ) ، و يحقق ذات المعني : الحصرية و نفي الباقي .
البعض يتحاذق و يقول ، انها ارخت بالميلادي تبعا لتقويم اهل البلد الذي وقعت فيه الحادثة. اذا سلمنا بذلك، يكون السؤال السنا نحن من يقرأ القرآن بصورة رئيسية ؟ ثم اليس هذا اعترافا و شرعنة للتقويم الميلادي ؟ ثم او كلما حدث حدث ارخه القرأن بتاريخ قومه ؟
السؤال المنطقي الاهم : هل ما حدث يرضي الله تعالى؟ علينا الا نخلط بين التشفي و بين الحق . ما حدث في سبتمبر – على افتراض ان الفاعل مسلم – لم يغير انحياز السياسة الخارجية و لم يجعلها اكثر عدالة و لن يفعل ، بل تحول الى مَمْسَك و حجة ل"شيطنة" الاسلام و تبرير الخوف منه و تأصيل العمل ضده . هنا تحول الخوف من الاسلام من خوف بسبب الجهل به و النظر اليه على انه منافس مستقبلي محتمل ، الى عدو قائم لا داع للعلم به ، بل يتم التعامل معه على اساس الانماط المغلوطة السابقة و التالية على التجربة السبتمبرية .
كل هذا كان على اعتبار ان مضمون الرسالة صحيح ، و لكن يبدو ان من كتب ذلك و -من ساهم في توزيعه- كلاهما لا يجيد ابسط مبادئ العد. فعدد الاحرف( او حتى الكلمات من دون التشكيل او معه, مع رسم المصحف او من دونه) من بداية السورة و حتى الاية 110 ليست 2001 باي حال من الاحوال، اما طوابق المبني فهي 110 و لكن ما سقط كان برجان لا واحدا اي 220 طابقا بالاضافة الى تضرر مبان اخرى في هجوم لطائرات اُخر . الطريف ان بعض نسخ الرسالة تم تحريفها و القول بان عدد الطوابق هو 109 لا 110 حتى يتوافق – و لو كذبا – مع رقم الاية الشريفة التي تحوى عبارة "جرف هار" . و سورة التوبة بالمناسبة تقع في جزئين اثنين هما العاشر و الحادي عشر ، فلم الاستنساب ؟
الاهم من هذا كله هو العلاقة المنطقية بين الجزء و الكل ، فالتاريخ هو11 سبتمبر .و اليوم(11) جزء من الشهر(9). و السورة هي اصغر من "الجزء القرآني " الذي يتكون غالبا من عدة سور. فلو كان الجزء هو التاسع و رقم السورة هو 11 لصح الامر ، او لو كان تاريخ الهجوم هو 9 نوفمبر لصح الامر ايضا ، و لكن التاريخ 11 سبتمبر فتكون العلاقة بين الجزء و الكل معكوسة فتسقط معها الفرضية .ذات الخطأ يتكرر مع
مع الاحرف فهي اجزاء اصغر من السور فكيف يتم مقابلتها بالسنوات ؟
ليت احدا من هؤلاء استعمل اي وسيلة - بدائية كانت او حديثة- في العد بدلا من نشر الاراء غير المتحقق منها. يبدو ان هؤلاء ايضا لا يجيدون ابسط مبادئ التحقق الجغرافي قبل الادعاء ، فلا شارع هناك يدعى "جرف هار" و لا اي لفظ قريب من ذلك اللفظ العربي القح .
فقط اتمنى الا تنتشر رسائل اخرى تقول ان هذا التفسير كان مؤامرة من عمل اليهود كتبوها ووزعوها ، فغرروا بالعرب المساكين بها فصدقوها.و لنفرض -عبثا و مزحا- بان ذلك صحيح لم قام العرب بتوزيعها اذا ؟ هل هو ذات السر الذي يجعل الكثيرين يتدافعون لشراء كتب الابراج و قراءة الطالع ؟ هل هي لدينا عقلية استسهالية ، تستهويها الحلول المعلبة ذات الطابع الغيبي لتريحها من عناء التفكير و مكابدة الترهل الفكري ؟
سبتمبر شهر اسود سياسيا في هذا القرن و في سابقه، و الفطر يتكاثر في العتمة ، فلنخرج للنور قبل ان تسود وجوه و عقول.